رئيس التحرير
عصام كامل

فساد في علاج "الأكباد" إلحقنا يا محلب


بدأ وزير الصحة والسكان د.عادل عدوي تنفيذ المرحلة الأولى من برنامج إصلاح منظومة الإمداد والتموين الدوائي، ومن أهدافه ضمان توفير الدواء للمرضى بكميات كافية وأسعار مناسبة، فضلا عن تطبيق المعايير العالمية على توريد وتخزين الأدوية... لا شك أن المشروع يحد من هدر المال العام وينعكس إيجابا على صحة المرضى. لكن في المقابل ناقض الوزير مشروعه بتكليف شركة خاصة لتوزيع وبيع أقراص "سوفالدي" لعلاج "فيروس سي"، بمعنى أنه رهن حياة ملايين المرضى لدى شركة ليست معروفة أو مؤهلة لإدارة مشروع بهذا الحجم. كما أن مكمن الخطورة أن وزير الصحة تجاوز القطاع الحكومي بما يمتلكه من إمكانيات وخبرة السنوات، ليفتح باب "التنفيع" وربما "الفساد" في مشروع علاجي مهم وعلى حساب "أكباد" المصريين.

وحتى تتضح الصورة بعيدا عن أي تجني أو مغالاة نعود إلى أصل الحكاية... حيث نجحت وزارة الصحة ممثلة في المعهد القومي للكبد في الاتفاق مع الشركة الأمريكية المنتجة للدواء "جلياد" على طرحه في مصر بنحو 1% من سعره العالمي أي بخصم 99%، ورغم أن شركة "جلياد" رفضت في البداية توريد الدواء بهذا السعر، إلا أنها وافقت مع الإعلان عن شفاء الحالات التي خضعت للعلاج بجهاز القوات المسلحة. وبعد الاتفاق سجلت وزارة الصحة الدواء واتخذت الإجراءات التنفيذية لطرحه للمرضى بسعر استيراده دون ربح.. وهنا بدأ التلاعب الذي يتبعه بالضرورة "المتاجرة" بمرض وعلاج الشعب!!.

أثبتت الإحصائيات أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميا في انتشار مرض الالتهاب الكبدي الوبائي "فيروس سي"، وأن نحو 14% من الشعب يعانون منه، ما يعني أن نسبة الإصابة تلك تضع مصر في خطر اعتباره "وباء"، وعليه باتت الحكومة المصرية أمام اختبار مواجهة المرض وتوفير عقاقير علاج "أكباد" المصريين وما يتبعها من إشراف على توريد الأدوية وتخزينها وبيعها حتى تصل إلى المريض دون استغلال أو تلاعب أو متاجرة.

ولضمان المراقبة والجدية وتحقيق الفائدة العامة كان حريا بوزارة الصحة تكليف الشركة "المصرية لتجارة الأدوية" باستيراد وتوزيع عقار "سوفالدي"، باعتبار أنها الشركة الأهم والأكبر في مصر لاستيراد وتوزيع وبيع الأدوية، اعتمادا على خبرة عشرات السنين وشبكة غير مسبوقة لمراكز ومنافذ توزيع وبيع الأدوية في جميع محافظات الجمهورية، ولأن الشركة المصرية حكومية وعليها رقابة من جهات عدة، فلن يجرؤ أحدا فيها على التلاعب في أمر الدواء أو أن يستغل المرضى، بل سيكون الالتزام تاما بتوفيره بسعر الاستيراد دون أرباح، مع الاكتفاء بشرف إنجاح مشروع حكومي قومي لعلاج الشعب من مرض خطير.

وعند النظر إلى الشركة الخاصة التي فضلها وزير الصحة على شركة حكومية عملاقة، لا نجد ثمة وجه للمقارنة بينهما، فالأولى غير معروفة ولا مؤهلة لتولي مشروع علاج بهذا الحجم وهذه الخطورة، كما أنها تفتقر إلى خبرة التوزيع، ولا تمتلك مراكز ومنافذ بيع دواء يحتاجه الملايين وليس لديها الكادر البشري الذي يمكنه تغطية توزيع "سوفالدي" بطول مصر وعرضها.. وفضلا عن كل ما سبق نعلم جميعا أن الربح أساس مشاريع وصفقات القطاع الخاص، ولما كانت الحكومة قد التزمت ببيع الدواء بسعر استيراده دون أية أرباح، فما الذي أغرى الشركة الخاصة لتوزيعه وكيف سيحقق أصحابها الربح؟!

الإجابة ببساطة أن الشركة ستحقق الأرباح الطائلة باستغلال المرضى والمتاجرة بمعاناتهم عن طريق رفع سعر الدواء، ومن ينشد الشفاء سيضطر للدفع والرضوخ للمساومة... ما سبق غيض من فيض أبواب الفساد في أمر العلاج، وتبقى أسباب تفضيل شركة خاصة على نظيرتها الحكومية لدى وزير الصحة.. ولن يعرف الحقيقة سوى رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب، الذي قال عشية سفره إلى أمريكا أنه سيقضي على الفساد في 6 أشهر.. وها هو أمام مشروع علاج قومي تحول إلى باب ملكي للفساد واستغلال ملايين المرضى... فهل ينقذ المصريين ويعود بالعلاج إلى الطريق القويم؟!
الجريدة الرسمية