ما الذي فعله إبراهيم عيسى؟
شتائم ولعنات وفيديوهات كثيرة في مواقع التواصل الاجتماعي الآن ردا على «شبهات» إبراهيم عيسى حول الإسلام، هكذا يسمون الأمر، أو إن شئنا الدقة هكذا أعطى إبراهيم عيسى الفرصة لتصوير الأمر. وسرعان ما هبت وزارة الأوقاف والأزهر الشريف -والمفروض أنهما من الجهات التي تحمل مشاعل التنوير، لكي يهاجموا عيسى، وذلك للتأكيد على أن مؤسسات الدولة لن تسمح بأي تجاوز في حق الإسلام، بل وصل الأمر أن صرح وزير الأوقاف بأن إنكار ما استقر في وجدان الأمة لا يخدم إلا قوى التطرف.
لا شك أن صياغة وزير الأوقاف كانت ذكية جدا، لم يقل وزير الأوقاف في تصريحه أن مخالفة أحد الفروض أو الثوابت في الإسلام، وإنما استخدم صيغة (ما استقر في وجدان الأمة)، بالتأكيد وزير الأوقاف يعلم أن هناك جدلا فقهيا ليس بالهين حول مسألة عذاب القبر، وبالتأكيد أيضا يعلم الأزهر الشريف ذلك، بل إني لا استبعد أن تكون هناك العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه حول هذه المسألة، كما أن أيضا من راحوا يثيرون الناس ويبكون ويتحسرون على الإسلام الذي ضاعت هيبته وتطاول عليه «الرويبضة والمرجفون في المدينة» (هكذا قالوا) يعلمون أيضا أن ما قاله إبراهيم عيسى ليس بجديد، وإنما هو رأي مجموعة كبيرة من علماء الإسلام لهم وزنهم، منهم مثلا الشيخ محمود شلتوت والشيخ الشعراوي وغيرهم.
لكن لا شك أيضا أن الطريقة التي قدم وطرح بها إبراهيم عيسى الأمر كانت لها دور في التوطئة لشحن الرأي العام ضده – وضد التنوير بعامة في الحقيقة -، لماذا لم يقدم إبراهيم عيسى الرأيين معا، ويقول أنه يميل للأخذ برأي فلان وعلان في هذا الأمر مثلا؟ أو لماذا بعدما أثير الأمر وتم اتهامه بهذا الشكل لم يقم بعقد حلقة نقاشية يستضيف فيها ممثلون عن الرأيين ويقدمون للناس حججهم ويقول إنه يأخذ بالرأي الفلاني، والسؤال الأهم: إذا ما كان إبراهيم عيسى يريد الآن أن يلعب دروا تنويريا في تصحيح خطاب يتستر بالدين ويؤثر على قطاعات ليست بالهينة، ويوصلهم لمرحلة الإضرار بالذات والوطن، فهل هو الشخصية الفضلى للقيام بهذا الدور؟ وإن كنت أعتقد أنه يجب الآن وفورا إحالة العديد من الأوجه الإعلامية التي تصدرت المشهد الإعلامي قبل يناير، وبعد يناير، وقبل يونيو، وبعد يونيو، يجب فورا إحالتهم جميعا للتقاعد وإفساح المجال لأوجه إعلامية شابة جديدة، ففي اعتقادي أن الشارع المصري وصل لحالة التشبع الكامل من هذه الشخصيات ولم يعد قابلا لتلقي المعلومة من خلالهم، وعملية الإحلال والتبديل هذه مهمة جدا لتطوير الخطاب الإعلامي الذي أيضا يحتاج لمن يصححه، هذا إذا كنا نريد خطابا تنويريا حقيقيا.
ومع ذلك، فإني أكرر السؤال: هل الوقت الحالي به من الرفاهية ما يحتمل طرح الجدل حول قضايا عذاب القبر، والتحرش في المدينة؟ أم أننا في حالة تحتاج فورا ربط الكثيرين ممن تم تعمية بصائرهم واختطاف عقولهم، ربطهم فورا بالإنسانية، وبمفهوم الوطن، وبمفاهيم العصر ومتغيراته الكثيرة. في اعتقادي ما يحتاج إلى نقاش جاد وحقيقي الآن هو الفكرة الأم التي هي جوهر لكل متطرف يستبيح دماء الآخرين على أساسها: وهي فكرة الحاكمية ومعانيها وتأويل المفسرين فيها، ونظرية عودة الخلافة، ونظرية سيد قطب حول المجتمع المسلم الجاهلي، هذا ما يستحق النقاش الحقيقي الآن. نقاش وفق مناظرات يحاضر فيها متخصصون أفاضل، ولا يكون دور الإعلامي فيها أكثر من إدارة الجلسة بحيادية وتجرد.