محنة المصريين في ليبيا!
لم يفلح مشهد طوابير المصريين الفارين من جحيم الحرب الأهلية في ليبيا، في وقف محاولات الهجرة غير الشرعية المستمرة لدخول الأراضي الليبية.
الفارون من ليبيا يصفون ما جري لهم بـ «رحلة الموت».. وقد لقي عدد منهم مصرعهم أثناء تدافع الآلاف لدخول الأراضي التونسية، وكانت حكاياتهم تكفي وتزيد لإقناع غيرهم بأن يتوقفوا عن التوجه إلى ليبيا.. ولكن البيانات التي تصدر عن قوات حرس الحدود تؤكد أن الهجرة غير الشرعية مستمرة.. وأن مناشدة الحكومة للمصريين بخطورة السفر إلى ليبيا.. والنصائح التي تقدمها للعاملين بها بالعودة إلى مصر.. لم يستجب لها لا الذين عقدوا العزم على السفر عن طرق غير شرعية.. ولا أعداد ليست قليلة من المصريين أصروا على البقاء رغم الأخطار المحدقة بهم.
وإذا كان الليبيون لا يأمنون على أنفسهم في ظل الغياب الكامل لمؤسسات الحكم، والصراع الدموي بين الفصائل المتناحرة.. فإن غير الليبيين الذين تنقصهم الدراية بكيفية تجنب حجم النيران يتحولون إلى أهداف سهلة للمتحاربين.
وليس سرا يذاع أن البحث عن «لقمة العيش» وراء إقدام المصريين على المخاطرة غير المحسوبة لمحاولة دخول ليبيا بطرق غير مشروعة.. وأن معظمهم كانوا يفضلون البقاء في مصر لو توفر لهم القليل الذي يكفي لاستمرارهم على قيد الحياة، وهو ما يتعذر الحصول عليه في ظل الأزمات التي تواجهنا.
والملاحظ أن معظم هؤلاء المخاطرين يجيئون من محافظات الصعيد، التي توقفت بها عجلة التنمية منذ سنوات بعيدة، وتضم أفقر القري في مصر.. ويعاني سكانها خاصة من الشباب الحاصل على شهادات متوسطة أو عليا من البطالة ويدفع بهم أهاليهم إلى المغامرة بحثا عن لقمة العيش.
ويذكر أن أهالي قرية «تطون» إحدي قرى محافظة الفيوم التي عرفت الهجرة إلى إيطاليا منذ سنوات بعيدة.. وعاد بعضهم بعد أن كون ثروات كبيرة، دفعت الشباب إلى محاولة الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، ومن بينهم شاب قدم ٣٠ ألف جنيه لأحد السماسرة لنقله مع آخرين إلى إيطاليا وتعرض المركب الذي يحملهم للغرق، وخشي السمسار من انتقام أسرة الشاب، وقرر أن يعيد المبلغ الذي حصل إلى الأب المكلوم، وكانت المفاجأة التي لازالت تتحدث عنها القرية.. أن الوالد رفض استعادة أمواله.. وطلب من السمسار أن يبقيها لديه لتسفير الأخ الثاني، فقد كان للرجل عشرة أبناء لا يجدون عملا.
وطالما استمرت تلك الأوضاع البائسة في مصر، لا يجب أن نتوقع توقف محاولات الهجرة غير الشرعية، بالرغم من أن معظم المحاولات تفشل قبل الوصول إلى الدولة التي يستهدفونها.. وأن المحاولات النادرة التي تتمكن من الوصول يتعرض المشاركون فيها لمطاردات الشرطة لدخولهم البلاد بطرق غير شرعية.
مثل تلك المخاطر لم يكن يتعرض لها المصريون الذين يرغبون في السفر إلى ليبيا في عصور سابقة، فقد كانت السلطات الليبية قبل الثورة على القذافي تسمح لهم بالدخول بالبطاقات العائلية.. ولا تشترط الحصول على أية موافقات مسبقة من السفارات الليبية، صحيح أن الأوضاع كانت أكثر تشددا عندما كانت تحدث أزمات سياسية بين السلطات الليبية والمصرية، سرعان ما كان يتم تجاوزها ويسمح للمصريين الذين تجاوزت أعدادهم مليوني شخص بالذهاب والعمل في ليبيا دون شروط مجحفة.
وقد أقيمت كل المشروعات التنموية التي شهدتها ليبيا، على أكتاف المصريين، الذين شغلوا مواقع مؤثرة في مؤسسات الدولة، خاصة إذا كانوا من أبناء القبائل العربية.
وقد اختلفت الأوضاع حاليا بعد أن تمكنت التنظيمات المسلحة التي يدور معظمها في فلك الإسلام السياسي، من السيطرة على الحكم، وهي ترتبط ارتباطا وثيقا بجماعة الإخوان المسلمين وتخضع لتوجيهات تنظيمهم العالمي باستهداف المصريين المقيمين في ليبيا، على أمل أن يثور المصريون على النظام الذي عجز عن حماية مواطنيه.. ويطالبوا بعودة الجماعة إلى حكم مصر!!
وهي السياسة التي تمارس بأسلوب منهجي.. وتزيد من معاناة المصريين في ليبيا.