فؤاد باشا وزيرًا للداخلية
الحديث عن الشرطة وأحوالها يفرض نفسه على الجميع، هناك من يتهم الشرطة باستخدام القوة المفرطة واللجوء إلى وسائل وحشية، مثل تجريد متظاهر من ملابسه وسحله عاريا فى الطريق، بالإضافة إلى تعذيب المتهمين فى معسكرات الأمن المركزى، وهناك من يدافع عن رجال الشرطة الذين يسقط منهم الشهداء يوما بعد يوم وهم يتحملون بشرف مسئولية الدفاع عن الممتلكات الخاصة والعامة، ومنها مقر رئاسة الجمهورية الشهير باسم الاتحادية.
وأنا لا أستطيع أن أنضم إلى من يتهم رجال الشرطة، كما أننى لا أملك الدفاع عنهم، لكننى أشعر أن الشرطة فى خدمة القائمين على حكم البلاد، بصرف النظر عن انتماءاتهم واتجاهاتهم السياسية، باعتبار أن الحكومة ورجالها يمثلون الشرعية التى يجب أن تلتزم الشرطة بخدمتهم، والدليل على ذلك أن الشرطة كانت فى خدمة الحزب الوطنى والرئيس حسنى مبارك، وتصدت للجماعة المحظورة وهو اسم جماعة الإخوان فى ذلك الوقت، واعتقلت كثيرين من أعضائها حرصا على النظام القائم الذى ترى فيه الشرعية.
ثم تبدل الحال وسقط النظام الذى كانت الشرطة فى خدمته، وتولى الإخوان المسلمون الحكم، ووضعت الشرطة كل أجهزتها فى خدمة الحُكام الجدد باعتبارهم يمثلون الشرعية التى يحق لها الاستئثار بخدمات الشرطة، ومنها التصدى لحكام الأمس المعزولين بعد أن أصبح اسمهم الفلول؛ ليختفى اسم المحظورة ويصبح من رجالها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشورى وكل الوزراء أو غالبيتهم، واجتهد رجال الشرطة فى خدمة حُكام اليوم، أعداء الأمس، والتصدى لأصدقاء الأمس أعداء اليوم.
وهذا ليس بجديد، فقد تكلم عن ذلك فؤاد باشا سراج الدين خلال أحد الحوارات التى أجريتها معه فى أواخر السبعينيات بقصره فى جاردن سيتى عقب عودة حزب الوفد برئاسته.
حدثنى فؤاد باشا عن تعامل الشرطة معه عندما كان وزيرا لوزارتى الداخلية والمالية معا، وكيف كان رجال الشرطة يؤدون له التحية العسكرية باحترام مبالغ فيه، وعندما تغير الحال وتولت السلطة حكومة أخرى عانى الباشا مما كان يعانيه معارضوه من قبل. وحان موعد الانتخابات البرلمانية وذهب فؤاد باشا فى جولة انتخابية بدائرته، وأثناء سيره فى اتجاه قرية من قرى الدائرة اعترضه ضابط شرطة ودفعه إلى خارج الطريق قائلا: «يا أستاذ هذا طريق عام لا نريد فيه زحاما»، ومنع الباشا مؤيديه من الرد على الضابط، فقد كان يعرف أبعاد اللعبة الشرطية وقواعد ممارستها. ولا يزال رجال الشرطة ملتزمين بما كان وبما سيبقى مستمرا.
ونسأل الله لنا ولهم العافية