من عبد الناصر وهيكل إلى السيسي وياسر رزق!
عندما تولى الرئيس جمال عبد الناصر حكم مصر عام ١٩٥٤ بعد انقلاب سلمى هادئ على الرئيس محمد نجيب، أول رئيس لمصر، اختار محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام ليكون الصحفى الملاكى له؛ يستشيره في كل صغيرة وكبيرة، يكتب له الخطب التي يلقيها في عيد الثورة وفى المناسبات المختلفة، وكان البعض يتصور أن التوءم مصطفى وعلي أمين هما صحفيا الثورة، لكن الذي حدث أنه تم سجن مصطفى أمين وهرب على أمين للخارج.
عندما تولى الرئيس السادات حكم البلاد ابتعد هيكل تمامًا، بل تمت إقالته من رئاسة تحرير الأهرام ومن منصبه كوزير للإعلام، وأصبح صحفي الرئيس السادات هو موسى صبرى، ينفرد بالأخبار لجريدة الأخبار، واختصه بالحوارات المتميزة والأسرار الدقيقة، وعندما اغتيل السادات وتولى حسنى مبارك مقاليد حكم البلاد تصورنا أن الصحفى المقرب للرئاسة سيكون محفوظ الأنصاري، باعتبار أن حسنى مبارك عندما كان نائبا لرئيس الجمهورية وكان يسافر إلى باريس كانت نجوى الأنصاري زوجة محفوظ الأنصاري هي التي تأخذ زوجته سوزان مبارك معها وتزور معالم وأسواق العاصمة الفرنسية باعتبارها مقيمة فيها؛ لأن زوجها محفوظ الأنصاري كان مديرا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط والوكالة القطرية في باريس، وله نفوذ وعلاقات واسعة في فرنسا وغرب أوربا، وزوجته نجوى لها علاقات مع سيدات فرنسا وزوجات الشعراء والدبلوماسيين العرب والأجانب، وتحفظ شوارع وميادين وأسواق وحوارى باريس أكثر مما تعرف شارع قصر النيل والعتبة والموسكى.
من هنا صارت هناك صداقة قوية بين سوزان مبارك ونجوى الأنصارى وأصبح زوجها محفوظ الأنصارى من أقرب الصحفيين لحسنى مبارك، وعندما تولى رئاسة الجمهورية أحضر محفوظ الأنصارى من باريس وعينه رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية بعد محسن محمد الذي تركه في منصب رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار التحرير «دار الجمهورية» ونزع منه منصب رئيس التحرير، وعين فيه محفوظ الأنصارى، وتصورنا أنه سيكون رجل الرئيس الأول مثل هيكل مع عبد الناصر وموسى صبرى مع السادات، لكن طلع له عفريت اسمه سمير رجب عينه محسن محمد رئيسا لتحرير جريدة «المساء» بدلا من أحمد عادل الذي عاد إلى عمله صحفيا بالأهرام، وشيئا فشيئا بدأ سمير رجب يمارس مقالات النفاق الشديد لحسنى مبارك الذي شكره، فقال له سمير رجب يا سلام ياريس لو مقالى ينشر في الجمهورية يكون تأثيره أقوى.
في أغسطس ١٩٨٧ صدرت التعليمات لمحفوظ الأنصارى ورويدا رويدا استغل سمير رجب الحرب الدائرة بين محفوظ الأنصارى، ومحسن محمد ليصبح سمير رجب نائبا لرئيس مجلس إدارة الجمهورية، ثم يطيح بمن جاء به ليضرب محفوظ الأنصارى وأقصد محسن محمد، وأطاح به هو الآخر وأصبح رئيسا لمجلس الإدارة ورئيسا لتحرير جريدة «المساء».
وزاد تسلقه وتملقه ونفاقه لحسنى مبارك فأطاح بمحفوظ الأنصارى إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط رئيسا لمجلس الإدارة ورئيسا للتحرير، وعين سمير رجب رئيسا لتحرير الجمهورية بجانب رئاسة مجلس إدارة المؤسسات، وأصبح هو الصحفى الخصوصى لمبارك ينفرد بالأخبار والحوارات والأحاديث معه، ويعين هذا ويعزل ذاك حتى تمت الإطاحة به، وتعيين محمد أبو الحديد رئيسا لمجلس الإدارة ومحمد على إبراهيم رئيسا للتحرير، وجلسا بأضخم مكتبين أعدهما سمير رجب وتكلفا بضعة ملايين من الجنيهات في المبنى الجديد على أنه خالد لكنه لم يجلس بهما إلا أياما معدودات.
بعد مبارك جاء المجلس العسكري وأراد أن يقوم بنفس الدور من جاء بعد سمير رجب لكنه فشل.
ثم جاء الرئيس محمد مرسي وقرب منه جماعة الإخوان من الصحفيين وعين واحدا منهم وزيرا للإعلام هو صلاح عبد المقصود، وكان الصحفى المقرب منه مع أنه لم يكن له اسم في عالم الصحافة غير أنه كان وكيلا لنقابة الصحفيين ثم أطيح به.
جاء بعده الرئيس عدلي منصور واختار الصحفى بالأهرام أحمد المسلمانى مستشارا صحفيا، لكنه رحل بعد عام واحد مع انتهاء ولاية عدلي منصور، وقبل أن يتولى المشير السيسي رئاسة مصر أجرى معه ياسر رزق رئيس تحرير جريدة «المصرى اليوم» حوارا طويلا شيقا تناقلته وكالات الأنباء وقنوات التليفزيون وعلقت عليه كل الصحف.
ولما أصبح السيسي رئيسا لمصر أصبح الصحفى المقرب للرئيس الجديد، وأصبحت «الأخبار» هي جريدته المفضلة، وصار تقريبا هو صحفى الرئيس السيسي على غرار هيكل الأهرام وموسى صبري الأخبار، واختصته الرئاسة بأكبر كمية من الصور في استقبال السيسي للسيدة الكفيفة زينب الملاح التي تبرعت بقرطها «لصندوق تحيا مصر»، وصارت الانفرادات كلها لـ"الأخبار"، وصار ياسر رزق ابن الصحفى القديم بالإسماعيلية فتحى رزق هو الصحفى المدلل والمقرب للرئيس والرئاسة؛ ليثبت أن لكل زمان رجاله والصحفى المقرب من القصر وساكنيه!!