مصر بعيون مصرية تعيش بالخارج
ثورة 25 يناير، تلك الثورة العظيمة التى لم يتفاعل معها المصريون بالداخل والخارج فقط بل تفاعل معها العالم كله، لما لمصر من مكانة تاريخية وموقع حساس وتأثير كبير فى المنطقة المحيطة بها والقادر على تغيير خريطة العالم كله.
خرج شباب مصر بالخارج فى أغلب عواصم العالم فى مظاهرات حاشدة مؤيدة لهذه الثورة التى أعادت إليهم الأمل فى تحسن أحوال مصر لتعود الطيور المهاجرة إلى وطنها الغالى قبل أن يفقد أولادهم هويتهم فى بلاد المهجر.
ووجدت نفسى بعد 15 عاما فى الجنوب الفرنسى فى بقعة يغلب عليها الطابع الأوربى المؤمن بالحريات وتتجلى فيه صور العدالة الاجتماعية فى أفضل صورها، أتابع يوما بعد يوم بل لحظة بلحظة أحداث مصر المتتابعة المتلاحقة.
مصر التى سقطت منا بعد الثورة فى خندق، وبدلا من أن تتكاتف الأيدى للنهوض بها راحت كل يد تلوح فى وجه الأخرى متهمة إياها إما بالانتهازية واستغلال الثورة أو العمالة والانتماء للنظام القديم، وتابعت ذلك التخبط السياسى الواضح وصراع القوى السياسية فى فترة حرجة وحاسمة من تاريخ مصر.
المواطن المصرى العادى الذى لا يفكر بعقلية الناشط السياسى ولا يحمل نفسية مقاتل وكل ما يشغله هو قوت يومه أصبح بعد الثورة له رأى وصوت فى الانتخابات، ولهذا وجب علينا معرفة مدى وعى هذا المواطن البسيط ومدى استيعابه للثورة وإدراكه لقيمتها.
كانت لى زيارة لمصر فى شهر يوليو من العام الماضى، وهى أول زيارة بعد الثورة وأول احتكاك حقيقى بالشارع المصرى.
مصلحة الأحوال المدنية بشارع فاروق بمدينة الزقازيق، هذا المكان الذى شهد شجارا عنيفا منذ أعوام وخرج علينا الضابط متعاليا ليصيح فى الناس بصوت جهورى، تساءلت كيف هو الآن وهل تغيرت الأحوال؟
فى تجربة فريدة مجازفة قمت بتنظيم الطابور الذى كان لا يتقدم خطوة واحدة بسبب من يخترقونه من كل ناحية بحجج مختلفة، فهناك دائما من يناسبه عدم النظام لينجز ما يريد سريعا وبقانون القوة ولعل الصراخ واستخدام الألفاظ وسيلة بعض الجهلة لإرهاب وتحطيم أى محاولة للتنظيم ولعل صمت البعض هو ما جعل أمثال هؤلاء يستمرون على أسلوبهم هذا.. ولكن ما إن وجدوا التشجيع بأن ما يحدث هذا لا يليق بدولة عظيمة صنعت ثورة أبهرت العالم ضاع ضحيتها آلاف الأرواح والعيون وأنه ليس من المعقول أن نستمر على منظومة الإهمال المعتادة وكأن شئيا لم يكن هذا فيه إهانة لدماء هؤلاء الشباب، هناك ما يسمى بالمساواة والعدل كل فى دوره أيا كانت صفته، وكانت للكلمات مفعول السحر حيث سريعا ما انتظم الطابور وتوحدوا فى وجه من يحاول المرور إما بالقوة أو خلسة.
ولعل هذا الموقف يبدو على بساطته معبرا بوضوح عن أحوال وأفكار المصريين، الحياة بعد الثورة عادت لطبيعتها وعادت السلبية والإهمال كما كان على الرغم من أن مستوى الوعى ممتاز خاصة عند البسطاء، فى داخلهم رغبة للتغيير تنتظر دائما من يشعل شرارتها ولعل أهم أسباب لا مبالاتهم هو ابتعاد النخبة السياسية عنهم وانفصالهم عن الشارع المصرى الحقيقى وانشغالهم بالجرى وراء المصالح والمناصب والظهور فى الإعلام فأفقد هذا أمل الناس فى انصلاح الأحوال، هناك من كان يجب أن يكون له دور كبير مع هذا الشعب الذى أهمل سنوات وسنوات فوصل به الحال إلى ما هو عليه.
دور رجال الدين ودور شباب الثورة ودور النخبة المزيفة التى تلقى علينا خطاباتها دوما من الغرف المكيفة فى توضيح أمر هام هو أساس أى دولة متقدمة وهو لا يكفى أن تعرف حقوقك ولكن يجب عليك أيضا أن تعرف واجباتك.