رئيس التحرير
عصام كامل

سلامًا للموصل..ووداعًا للإنسانية


هل تعلم ما هو التهجير؟.. للأسف لا تعلمه.. هو لون ووجه آخر للقتل، حينما تتجاوز مساحة الكراهية ما يمكن أن يتخيله عقل.. كراهية تقود إلى "أنا أكرهك، فأنا لا أريد أن تراك عيناي" والأصعب أن يرتبط هذا التهجير باستنزاف أموال أو ممتلكات. والفاجعة أن يتم الربط بين هذه الجريمة والدعوة إلى معتقد ديني. هذا تمامًا ما حدث بشكل فج في مدينة الموصل العراقية. 

مخطط قديم، حديث يحدث مع المسيحيين في تلك البقعة من العالم، فمن العراق إلى سوريا إلى فلسطين إلى مصر، نفس المصير. حتى وإن اختلف الإيقاع ومعدل التهجير وتبجح الدعوة. ولا يوجد فارق بين الداعشي الذي يريد طرد المسيحي من العراق وسوريا، والحمساوي الذي يريد طرد المسيحي الفلسطيني، والإخواني أو السلفي أو المتطرف الذي يريد طرد القبطي من رفح والعامرية ودهشور والمطرية في مصر، نفس الرغبة والنهاية وإن اختلف الأسلوب.

نعود إلى مسيحيي الموصل، الطيبين، أصل الأرض، والشركاء الرئيسيين في حضارتها، ولا نريد لهم وعنهم إلا سلامًا في تلك المحنة، حينما يقف الحمل أمام الذئب ويقف الخير أمام الشر، ولكن نثق في انتصار الخير والحق والعدل والسلام ولو بعد حين. 
فسلامًا للموصل التي وصلت بين دجلة والفرات، وبين العراق والجزيرة على مر التاريخ. ووداعًا لإنسانية حينما يحدث كل هذا ولا تسمع صوتًا للمنظمات الإسلامية لردع تلك الأفكار الدموية المحسوبة عليها. وفقط تخرج علينا مؤسسة الأزهر وبعد أيام ببيان غاية في الضعف بعبارات "تواردت إلينا أنباء متواترة" وعبارات أخرى على استحياء من هذا القبيل، ولا تعرف منٌ يتعاطف مع منٌ.

سلامًا للموصل والتي عاشت لعشرات القرون أرض الأكراد والتركمان والشيعة، بل وأرض اليهود قبل حتى خمسينيات القرن الماضي حينما هب على المنطقة رياح التطرف وكراهية الآخر والخلط بين ما هو سياسي وما هو ديني، كذلك أرض الكلدان والسريان والأرمن والأشوريين حتى هبت على المنطقة هذا التنظيم الدموي "داعش" منذ أيام فرحلوا، ووداعًا لإنسانية لا تنتفض على هذا التطهير العرقي العنصري، وحين لا نسمع للمنظمات الكبري في العالم إلا الصمت سواء من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوربي أو الغرب، باستثناء فرنسا والتي عرضت حلًا بقبول مسيحيي العراق على أراضيها.

سلامًا لأرض المسجد الأموي والمسجد الكبير وجامع أم القري وكنيسة مارتوما ومار افرام ومار أدحودامه وكنيسة الساعة، بعد أن اتت عليها مجموعات لتحرق مرقد النبي يونس، ومطرانية السريان الكاثوليك والتي يرجع تاريخها إلى 1800 عامًا، ووداعًا لإنسانية تصمت على تدمير تلك الحضارة وهي التي انتفضت من قبل عندما قامت مجموعات مشابهة بتحطيم تمثال بوذا
سلامًا للموصل ومسيحييها ممن عاشوا قرونًا وكانوا أصحاب الأرض واستقبلوا الجميع بكل تسامح بجانبهم وجوارهم، 

بينما صمتٌ هؤلاء "الجيران" حينما رأوهم يرحلون بعد الاختيار بين منازلهم وممتلكاتهم وأراضيهم وبين ما يعتقدون ويؤمنون فاختاروا ما أمنوا به عن طيب خاطر. ووداعًا لإنسانية لا تدرك أن القادم أسوأ، فمن بدأ بالمسيحي اليوم، سيكمل بالشيعي غدًا، وبعد غد السني الذي لا يصلي ويكتمل طريق القتل والتهجير، والويل لأغلبية تقتل أقلياتها، والويل لعالم يصمت على تلك المجموعات الدموية بحجة أنها تتحرك في سوريا والعراق وليبيا فقط، وتتناسي أنها مجموعات سرطانية ستنتشر في كل مكان، وجميعنا سندفع الثمن، فمن يعي قبل فوات الاوان؟!. 
الجريدة الرسمية