حسد أو ضيقة عين
فى الهند القديمة كان هناك المنبوذون، وهم طائفة فى أسفل السلم الاجتماعي. اليوم هناك دولة منبوذة هى إسرائيل.
التصويت مع فلسطين كعضو مراقب فى الأمم المتحدة كان شبه إجماع دولى مقابل أميركا وإسرائيل وبعض الدول الجزر. وقد كتبت غير مرة عن مقاطعة الكنائس المسيحية إسرائيل ومنعها أتباعها من الاستثمار فيها وفرض عقوبات عليها.
لم أحاول يوماً أن أبذل جهداً خاصاً لجمع المادة المعادية لإسرائيل، فهى تتراكم على مكتبى بحكم العمل وأكثرها من المصادر الغربية التى أتوكأ عليها لجمع المعلومات. وجذب انتباهى فى الأيام الأخيرة أن مجلة «المسيحية اليوم»، وهى تمثل مسيحيين تبشيريين، نشرت قائمة تقترح قراءة «خمسة كتب عن إسرائيل وفلسطين» كلها تقريباً ينتصر للفلسطينيين ويتحدث عن معاناتهم تحت الاحتلال. وهكذا لم يبقَ لإسرائيل من المسيحيين فى أميركا غير حزام التوراة، أى أنصار جورج بوش الابن وهذا يكفى شرحاً لحمقهم وحمقه.
فى الوقت نفسه، كانت المواقع الليكودية الأميركية تهاجم الصحافة بسبب تغطيتها هتاف أنصار فريق الكرة الإسرائيلى بيتار ضد لاعبَيْن مسلمَيْن من الشيشان وتعليقات الصحف على الحادث. لعل أنصار الفريق اعتقدوا أن اللاعبَيْن فلسطينيان لأنهما مسلمان فكان الهتاف «ارحلوا إلى بلادكم». الفلسطينى فى بلاده والإسرائيلى مستعمِر وشيء عابر.
كل ما سبق تزامن مع «أسبوع ابارتهيد إسرائيل» فى الجامعات الأميركية حيث تدعو منظمات كثيرة للطلاب المسلمين وغيرهم إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وتطالب بعزل إسرائيل، وهى معزولة منبوذة فعلاً.
والآن أقدم إلى القارئ التحالف الدينى لمقاطعة إسرائيل وهدفه إنهاء احتلال إسرائيل الأراضى الفلسطينية فهو يضم أصواتاً يهودية من أجل السلام وشبكة إسرائيل وفلسطين التابعة للكنيسة المشيخية وزمالة السلام لإسرائيل وفلسطين فى الكنيسة الأسقفية وشبكة كنيسة المسيح المتحدة، وشبكة الكنيسة المنهجية، ومع كل هؤلاء جماعة «مسلمون أميركيون من أجل فلسطين».
مَنْ بقى لإسرائيل؟ لا أعتقد أن منبوذى الهند نُبذوا أكثر مما هى منبوذة هذه الأيام.
على هامش ما سبق كله لاحظت أن المتطرفين من أنصار إسرائيل، أى أعداء العرب والمسلمين فى كل مكان، لا يجدون مَنْ يدافع عن جرائم إسرائيل، فيستشهدون بأحدهم الآخر دفاعاً عنها.
مجلة «كومنتري» الليكودية نقلت عن لجنة مكافحة التشهير باليهود أن مقاطعة إسرائيل (الحروف الأولى بالإنكليزية BDS) تعادل اللاساميّة. المجلة واللجنة تجدان الأعذار لجرائم إسرائيل ثم تستشهد واحدة بالثانية وكلاهما متَّهم. أو أجد أن موقعاً ليكودياً يجرى مقابلة لأميركى ليكودى ويكون بين الأسئلة: صِف لنا خطر العدو الإسلامي. هناك عدو للإنسانية كلها هو الاحتلال الإسرائيلي. وأمامى مقال صادر عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، واختصاصه الدفاع عن إسرائيل والتستر على جرائمها، والمقال يجمع بين ثلاثة من أنصار إسرائيل لينقل تهمة الإرهاب منها إلى حزب الله أو غيره.
بالمناسبة مجلة «كومنتري» نشرت مقالاً عنوانه «هل يصغى أحد؟ نتانياهو ليس العقبة فى وجه حل الدولتين»، والكاتب الليكودى جوناثان توبين يستشهد بالإرهابى رئيس وزراء إسرائيل فهو قال فى مؤتمر إسرائيلى أنه لا يزال مع حل الدولتين. وهكذا فليكودى أميركى يعتبر كلام مجرم حرب ليكودى إسرائيلى وحياً منزلاً ويتوقع أن يصدقه الناس.
أخيراً هناك حملة يومية على الإسلام، مع تركيز على الشريعة، والفارق بينى وبين دعاة التليفزيون المسلمين أننى أعرف التوراة والدين اليهودى جيداً، وأقول إن التوراة ملأى بقصص إبادة جنس ومومسات، فى حين أن القرآن دين وسطى ليست فيه دعوة واحدة إلى إبادة الجنس.
أقول إن الشريعة أفضل من سفر التثنية فى التوراة الذى يضم أكثر شرائعهم، إلا أننى لا أتحداهم إلى مناظرة فأقصى ما أمارس ضدهم هو المقاطعة، وأرفض بالتالى أن أجلس مع منبوذى هذا العصر.
نقلاً عن الحياة