رئيس التحرير
عصام كامل

صفقوا لهذا القرار الشجاع


من حقنا أن نتفاءل بقرار صدر منذ أيام، وأن نستبشر بأنه يمثل بداية للقضاء على الظلم ويفتح الباب لعدالة غائبة، خرج المصريون من أجل تحقيقها في يناير 2011.



عن قرار النائب العام بحبس مأمور سجن الإسماعيلية ونائبه ومعاونه و7 أفراد آخرين من الشرطة لمدة 15 يومًا، في واقعة هروب اثنين محكوم عليهما بالإعدام من "سجن المستقبل".. أتحدث.

عندما قرأت الخبر لم أصدق أنه صدر في مصر، فقد راودتنى شكوك في صحته ومصداقيته، غير أننى بيقينى المهنى تأكدت أنه صحيح لأنه صادر من مكتب النائب العام وليس "افتكاسة" أو اجتهادا مهنيا لزميل، غير أننى شعرت بعد صدوره بسعادة غامرة، لعدة أسباب أولها أنه يؤشر على إرهاصات التغيير في مصر، ويمثل خطوة على طريق تصحيح أوضاع مختلة طالما تعودنا عليها منذ سنوات في مصر، وهى أن يذهب الغلابة والصغار في كل الكوارث القومية ضحية و"كبش فداء"، يدفعون سنوات من عمرهم خلف الزنازين وهم أبرياء، بينما يرفل الكبار من المسئولين عن الكارثة في نعيم، ويعيشون أحرارا.

ثانى أسباب سعادتى أن القرار يمثل بداية لوقف مسلسل إهمال وتقاعس وتراخٍ تجري حلقاته على يد كثير من القيادات الأمنية والمسئولين الكبار في كل ربوع مصر، فعندما تثبت إدانة قيادات سجن المستقبل وتصدر ضدهم أحكام، سيرتدع كل مسئول في هذا البلد أيا كان موقعه، وسيتوقف مسلسل الفوضي والإهمال، لأن مصر في هذه اللحظة ستصبح دولة لا فوضى يطبق فيها القانون على الكبير قبل الصغير، وليست غابة يتقاعس فيها الكبير فيترك ويدان فيها الصغير فيحبس.

ثالث أسباب سعادتى هي عبقرية القرار، ذلك أنه يشمل ولأول مرة اللواءات والباشوات جنبا إلى جنب وعلى قدم المساواة مع أمناء الشرطة والعساكر، فلم نشهد منذ عشرات السنين مسئولا أمنيا أو قيادة شرطية بدرجة لواء أو عميد أو عقيد وقف خلف القضبان متهما في جريمة إهمال أو تقاعس عن أداء واجبات وظيفته على كثرة هذه الجرائم.

لقد بات المصريون على يقين بأن العدالة ماتت في هذا البلد، وأصبح الكبار يحاكمون فقط ويزج بهم في السجن عندما يرغب الرئيس الحاكم في الانتقام أو تصفية الحسابات أو التخلص ممن لا يجيدون لعبة النفاق.

هكذا فعل السادات مع خصومه ممن أسماهم مراكز القوى، ومع المعترضين على اتفاقية السلام مع العدو الإسرائيلى في أواخر أيامه.

وفعلها مبارك مع الإخوان لمخاوفه من طموحهم في السلطة، وفعلها أيضا مع كل من يغضب عليه رجاله وزبانيته، أو يرفض الرضوخ لمطالبهم وابتزازهم، لكنه لم يجرؤ أن يفعل ذلك مع حاشيته رغم أن رائحة فسادهم قد فاحت وزكمت الأنوف إلى أن قامت ثورة يناير، لتزج بمبارك نفسه وشلته الفاسدة في السجون.

لو أن مصر دولة يحاكم فيها وزير النقل قبل عامل المزلقان الغلبان بتهمة الإهمال والتقاعس عن أداء متطلبات وظيفته، وبتهمة إهدار أرواح 1200 مصرى في حادث غرق العبارة، ويحاكم فيها وزير الداخلية عندما تقع تفجيرات وتذهب أرواح الأبرياء غدرا لأن القيادات الأمنية نائمة في العسل ولم تتخذ التدابير الوقائية اللازمة، لو أن مصر دولة يحاكم فيها وزير الطيران عندما تسقط طائرة بسبب إهمال الصيانة، ويحاكم وزير الرياضة على حصول دولة بحجم مصر على صفر المونديال، ويحاكم فيها كل مسئول يخل بواجبات وظيفته ويتسبب في أضرار فادحة للدولة والشعب أمام القضاء العادل، لتجنبنا دماء طاهرة سالت على هذه الأرض، ولما ذهبت أرواح كثير من الأبرياء غدرا وخسة وإهمالا، ولتفادينا مصائب وكوارث وجرائم كبرى ترتكب في حق هذا الشعب كل يوم.


الجريدة الرسمية