رئيس التحرير
عصام كامل

المعارضة.. والخروج من النفق المظلم


لماذا إذن كل هذا الضجيج؟، ألم يكن متوقعًا قرار المحكمة الدستورية العليا برفض مشروع قانون الانتخابات المقدم من مجلس شورى (الإخوان)؟

السؤال الأهم هو: هل سوف يخرج مجلس الشورى بقانون يتسم بشىء من العدالة؟، هل سوف ترضخ جماعة الإخوان المسلمين لمطالبات القوى السياسية لها بضرورة مراعاة المبادىء الأساسية للعدالة وتكافؤ الفرص فى صياغة القانون الجديد؟ وهل سوف توافق الجماعة على إقالة الحكومة الحالية التى تثبت يومًا بعد الآخر أنها تمعن فى الفشل وتتفنن فى استفزاز المصريين؟، وهل إن قررت الجماعة صياغة قانون جديد يحظى بالتوافق من قبل كل القوى السياسية.. هل سوف توافق جبهة الإنقاذ على خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة؟

لا أعتقد أن أياً من هذا من الممكن أن يحدث، فالجماعة الآن تحولت من موقف الهجوم إلى الدفاع، ولاسيما مع تزايد الضغوط عليها من قبل حلفائها السلفيين، وهو الأمر الذى سوف يؤدى بها إلى التضحية ببعض من مكتسباتها للحفاظ على المكتسبات الأكبر.

أقول إنه ليس من المهم الآن بالنسبة إلى الجماعة التشبث بمادة تسمح للعضو المنتخب بتغيير صفته الحزبية بعد دخوله البرلمان، ولا مهما أن تضم أكبر عدد من النواب الناجحين بعد انتخابهم كما كان يفعل النظام البائد، ولكن سوف تقاتل الجماعة (وبلا شك) للحفاظ على نظام تقسيم الدوائر كما هو الآن، وسوف تحرص على ملء الدوائر التى من الممكن أن تكون قد أصابها بعض الخلل (طبقا للجماعة) فى توزيع المقاعد، بمزيد من المقاعد لأنصارها، وسوف تركز فى ذلك اهتمامها بالطبع على الدوائر التى تقع فى الأقاليم أو المناطق النائية، التى تضمن فيها نوعًا من الولاء لمرشحيها.

لقد أدى تكبر الجماعة وإصرارها على المضى فى تعميق الانقسام، والتصعيد من حالة الاستقطاب فى الشارع المصرى إلى تخلى أقرب حلفائها عنها، وهو ما ينم عن غباء سياسى لم نشهد له مثيلاً من قبل.

إن هذا العبث الذى تدير الجماعة به علاقاتها مع القوى المعارضة لها، وتلك الرجعية التى لم يسلم منها حتى حلفائها ومناصريها، هى نفسها تلك التى تعتمد عليها فى إدارة شئون البلاد، وتسيير أموره الداخلية والخارجية معاً.

فعندما يتحدث هشام قنديل فى أمور تتعلق بنظافة ثدى المرأة قبل إرضاع الأطفال، وكأنه موظف صغير فى إحدى وحدات تنظيم الأسرة فى قرية ما، وعندما تتأمل خطاب الرئيس مرسى فى ألمانيا، وحديثه عن محاولات البلطجية لإسقاط طائرة هليكوبتر فى بورسعيد! أو طريقة حديثه إلى الإعلاميين والصحفيين الألمان عن أن قرار فرض الطوارئ وحظر التجوال فى مدن القناة جاء استجابة للمطالبات الشعبية هناك! فى الوقت الذى كان فيه الأطفال الصغار فى بورسعيد والسويس يطأون تلك القرارات بأحذيتهم.. عندما تنظر إلى كل هذا بقليل من التأمل تدرك حقيقة العبث الذى تعيشه البلاد الآن، وتدرك أيضًا أن هذا النظام يخسر مساحات كبيرة من الملعب السياسى فى كل يوم يخرج فيه أحد رجاله لمجرد التحدث إلى الناس.

يجب على المعارضة إذن أن تنتهز الفرصة، وأن تتحلى بمزيد من المسئولية فى مواجهة هذا التخبط الذى يعانى منه النظام، كما يتعين عليها أيضًا أن تستغل خسارة ذلك النظام لقطاعات عريضة من مناصريه نتيجة لسياساته وممارساته، وتوظيف ذلك للحشد ضد تلك السياسات الممارسات، وللسعى لبناء معارضة جادة عن طريق طرح البدائل بصورة مستمرة، حتى تتبلور تلك الرؤية لدى المواطنين العاديين الذين بدأوا يشعرون بأن ثمة شيء لن يحدث، وأنه ليس هناك ثمة ضوء فى نهاية النفق.

الجريدة الرسمية