الشركاء في العدوان على غزة
الفلسطينيون في قطاع غزة لا يواجهون جيش الكيان الصهيوني فقط، ولا يقاومون عدوانه وحسب، بل إنهم يواجهون منظومةً كبيرة، وتحالفًا دوليًا، على كل المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية، التي التقت على كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وتحطيم كبريائه، والقضاء على مقاومته، ونزع سلاحه، وتجريده من كل أسباب ومقومات القوة، لمنعه من أن يكون قادرًا على صد العدوان، ومنع الاعتداء، وليكون دومًا أمام العدو جبهةً رخوة، وأرضًا سهلة، ولقمةً سائغة، يجتاحها وقت شاء، ويعتدي عليها كلما أراد، فلا يخاف من ردةِ فعلٍ مقاومة، ولا من عملياتٍ مباغتة، ولا مفاجئاتٍ قاتلة.
الكيان الصهيوني لا يقاتل في قطاع غزة وحده، ولا يعتدي على السكان المدنيين بسلاحه فقط، وجنوده المقاتلون ليسوا إسرائيليين وحسب، ومؤسساته الإعلامية الحربية والسياسية ليست محلية، وإنما هي جبهةٌ دولية موسعة، لا تخفي تحالفها، ولا تنكر مساعدتها، ولا تتأخر عن نصرة الكيان ونجدته، ولا تبدي خجلًا من مواقفها، ولا تتردد في سلوكها، ولا يعنيها الرأي الدولي العام، ولا يزعجها عدد الضحايا الفلسطينيين من المدنيين، ولا حجم الدمار الذي خلفه العدوان، بل ما يدفعها فقط هي المصالح الإسرائيلية، وما يقلقها هي الهموم الإسرائيلية، فهي لا تحمل إلا وجهة النظر الإسرائيلية، ولا تدافع إلا عنها، ولا ترى في ممارسات العدو تجاه الفلسطينيين عدوانًا، بل هي محاولة للدفاع عن النفس، وصد العدوان، وحماية أرواح ومصالح المواطنين الإسرائيليين، ما يعني أنها عملية دفاع عن النفس مشروعٌ ومباح.
كشف العدوان على قطاع غزة أن الولايات المتحدة الأمريكية شريكة فاعلة في العدوان بالسلاح والمال والسياسة والإعلام، وهو أمرٌ ليس بالغريب ولا بالجديد، فنحن نعلم أن الإدارة الأمريكية لا تتخلى عن الكيان الصهيوني، ولا تتركه وحيدًا، ولا تقصر في مساعدته ونصرته، فهذا أمرٌ بات يعرفه الجميع ولا يستغربونه، في الوقت الذي لا تخفيه الإدارة الأمريكية، فهي التي تمده بالسلام والمال، وتعزز ترسانته العسكرية، وتحقن نظامه الاقتصادي، وتحميه من القرارات الأممية التي قد تصدر من مجلس الأمن الدولي، لئلا يدان أو يشجب فعله، وحتى لا يخضع للرقابة الدولية، أو يلزم بتنفيذ بنود الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خاصة لجهة الأسلحة المحرمة دوليًا، وأسلحة الدمار الشامل.
خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قامت الإدارة الأمريكية بتحويل ملايين الدولارات لتحصين نظام القبة الفولاذية، وتمكينه من صد صواريخ المقاومة، ومنعها من الوصول إلى المناطق الإسرائيلية، فضلًا عن قيامها بإجراءاتٍ عديدة لتعويض الخلل في الاقتصاد الإسرائيلي الذي تضرر بفعل الحرب.
كما سمحت وزارة الدفاع الأمريكية للجيش الإسرائيلي باستخدام المخزون الإستراتيجي للأسلحة الأمريكية الموجودة داخل الكيان الصهيوني، والاستفادة من مستودعات الذخيرة، وهي ذخائر نوعية وخطرة، حيث تشير أغلب التقارير العسكرية الإسرائيلية إلى أن الحرب على قطاع غزة قد أثرت على المخزون الإستراتيجي للسلاح الإسرائيلي، كون هذه الحرب هي الأضخم والأوسع، وقد استخدم فيها جيش العدو كمياتٍ كبيرة من الأسلحة، خلال طلعاته الجوية المكثفة، بالإضافة إلى مدفعية الميدان وسلاح الدبابات والبوارج الحربية، الأمر الذي شكل خطرًا حقيقيًا على موجودات الجيش الإستراتيجية.
الجيش الإسرائيلي لا يقاتل الفلسطينيين بجنوده فقط، وإنما أصبح في صفوفه المئات من المتطوعين الأجانب والمقاتلين الغرباء، فقد أوردت تقارير صحفية بناءً على معلوماتٍ عليمة ووثيقة الصلة بجيش الكيان، أنه بات يضم الآن مئات المقاتلين الأجانب من الجنسيات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والكندية والأسترالية والنيوزيلاندية والأوكرانية والجورجية وغيرهم.
ويقدر مسئولون عسكريون إسرائيليون وجود آلاف المقاتلين الأجانب في جيش الكيان، ممن جاؤوا إلى فلسطين المحتلة، بنية الالتحاق بجيش الكيان بقصد قتال الفلسطينيين، وهم على درجة عالية من التدريب والتأهيل، وتسكنهم روح الكرة والحقد، حيث يبدي غالبيتهم رغبتهم القيام بعملياتٍ قتالية على الجبهة، ويمتاز هذا النوع من المقاتلين الأجانب، الذي يطلق عليهم اسم "الجندي الوحيد"، نسبةً إلى أنه جاء وحيدًا، وليس له أهل أو أسرة داخل فلسطين المحتلة، بالتطرف والعنف، والميل الشديد لاستخدام القوة المفرطة في أي أعمال قتالية، حيث يحرص أغلبهم على الالتحاق بوحدات النخبة، كألوية جولاني وجفعاتي وإيغوز، كما أن بعضهم يجد متعته في عمليات القنص، وتسجيل الأرقام القياسية في جرائم القتل.
يعتبر المقاتلون الأجانب في جيش العدو مقاتلين عقائديين، أي أنهم يؤمنون بالدولة العبرية، ويخلصون في الدفاع عنها، ويدعون المجتمع الدولي لنصرتها، ويرون أن العرب يشكلون خطرًا عليها، ويعملون على إضعافها أو إزالتها من الوجود، وهم أيضًا أكثر حماسةً وشجاعةً من الجنود الإسرائيليين، ويحرصون على أن يكونوا دومًا في الصفوف الأولى المتقدمة أو المقتحمة، وقد سجل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مقتل العديد من المقاتلين الأجانب، ولعل أغلب القتلى كانوا من حملة الجنسية الأمريكية.
مخطئ من يظن أن الإدارة الأمريكية تسعى جاهدةً لفرض تهدئة ووقف إطلاقِ نارٍ بين الجانبين لصالح الفلسطينيين، لتمنع آلة القتل الصهيونية من ارتكاب المزيد من المجازر والجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين، أو أن المجتمع الدولي قلقٌ على الفلسطينيين، وخائفٌ على مصيرهم ومستقبلهم، بدليل أنهم يقاتلون معه بالسلاح والمال والرجال، ولديهم الجاهزية لتعويضه دومًا عن أي نقص، وتلبية أي حاجة طارئة عليه.
الحقيقة أنهم شركاء مع العدو في عدوانهم علينا، وأن الذي يدفعهم للتدخل الفاعل والمباشر، هو أنهم جميعًا خائفين على مستقبل الكيان الصهيوني، ويرون أن هذه المعركة مختلفةٌ عن كل الحروب السابقة، وأن الجيش الإسرائيلي لا قِبَلَ له على مواجهة الجيل الفلسطيني المقاوم الجديد، الذي يصر على النصر، ويرفض الهزيمة، ولا يؤمن بالتفوق الإسرائيلي، ولا يعتقد بدوام قوته، واستمرار هيبته، بل يرى أن زمن صعوده قد ولى، وزمان انكساره وسقوطه قد حل.
moustafa.leddawi@gmail.com