رئيس التحرير
عصام كامل

حقوق المبدعين والمؤلفين المالية


يعتصر القلب ألما بين الحين والآخر عندما أشاهد جموع المثقفين وهم يتضرعون طالبين من الدولة علاج المؤلف فلان، أو الروائي علان، وما إن تعلو الأصوات والحناجر متحدثة عن معاناة أصحاب القلم، الذين لا يقلون خطورة في تشكيل وعي الأمة، وتأثيرا على جبهتها الداخلية، عمن يحمل السلاح، فضلا عن كون عددهم ليس بالكبير (بالكاد يصل للألفين) وأنا أقصد طبعا الأحياء من المسجلين في قوائم اتحاد الكتاب، حتى نجد الدولة تستجيب مرة، وتتأخر أخرى.

السؤال الذي يحيرني: لماذا لا يضغط جموع المثقفين على تعديل قوانين النشر بما يسمح للمؤلفين بالحصول على حقوقهم المالية جراء أعمالهم ؟ فمن وجهة نظري لا يوجد قانون يحمي الحقوق المالية للمؤلفين في نسب مبيعات كتبهم، ولا توجد ضوابط واضحة لإجراءات النشر وطرق التعاقد.

لولا أني لا أريد أن أدخل القارئ في متاهة تفاصيل واقع سوق الكتب في مصر (وهو واقع محزن للأسف) لكنت تحدثت بالتفصيل عن كيفية وأنواع النشر، لكنني سأشير لدول كثيرة يكفيك فيها تماما أن تنشر كتابا أو اثنين، لتعيش طوال عمرك تجني من أرباحهما، فالقانون هناك صارم، يقضي بأن يكون على كل نسخة رقمها المسلسل الخاص بها، ولو ثبت في أي وقت وجود نسختين لهما الرقم نفسه، فإنها قضية تزوير كبيرة، وبناء عليه يسهل تحديد أرباح المؤلف التي غالبا هي نسبة يتم الاتفاق عليها ما بين الـ15 إلى الـ40% أحيانا – بحسب المؤلف وثقله.

في هذه الدول تتبنى دور النشر تقديم الأعمال الجادة والمميزة، بل كثيرا ما نجد دور نشر تتخصص في سلاسل معينة، فهذه مثلا في التاريخ المعاصر، هذه في القانون وهكذا، في اعتقادي عندنا لا يوجد مثل هذه المشاريع باستثناء سلاسل قليلة ظهرت في الثمانينيات والتسعينات عن مشاريع ترجمة بعينها، أو مشاريع نقدية – ولاحظوا أني أتحدث عن النشر الخاص – فالنشر الحكومي لا شك يحتاج لمقال بمفرده، المهم أنه وارد جدا أن يكون من بين جموع المصريين عبقري في الفلك أو الهندسة أو نابغة في الاجتماع، أو حتى شاعر فذ وروائي متميز، ومع ذلك قد يعيش ويموت ومسوداته محمولة على صدره متنقلا بين هذا وذاك لا يجد ثمن تقديمها للنشر، وإن استدان وقدر الله أن تلقى أعماله القبول، واعترف به في مجاله، فغالبا لن يحصل على مليم واحد من أعماله، لكنه بعد عملين معتبرين سيصير عضوا في اتحاد الكتاب، وبعد ندوة واثنتين، سيصير صديقا للمجموعة الثقافية – لاحظوا أن هناك من سيظل حبيس حسرته ولن نعرف عنه شيئا.

ولأن حرفة الإبداع والكتابة هي حرفة تأكل الأعصاب، فغالبا سيعاني هذا الشخص باكرا مرضا ما، ولن يجد معه علاجه رغم استمرار مبيعات كتبه في السوق، فغالبا سيقسمون له أن كتبه لا تؤتي ثمنها، ثم ستتدهور حالته، لكي يبدأ جموع أصدقائه في الضجيج من جديد: نرجو أن يتم علاجه على نفقة الدولة، نرجو أن يتم الاهتمام بحال المؤلفين، وإن كان سعيد الحظ، من بين أصدقائه من هو مؤثر قد يأتي القرار سريعا قبل أن يموت، وإن كان غير ذلك، فغالبا سيموت قبل أن يصدر له القرار، رغم أنه يستحق من مؤلفاته ما يكفيه لكي يعيش حياة كريمة، إلى متى هذا الوضع؟ أرجو أن يكون هناك تشريع ينقذ جموع المؤلفين من هذا الوضع.
الجريدة الرسمية