تخبط "الخارجية" في التعامل مع حادث "الكريمية" بليبيا.. الوزارة تنفي مقتل 23 مصريا بعد 48 ساعة.. وتنسق مع طرابلس لبحث أوضاع المصريين هناك.. السعدني: شكري لا يعمل بالنشاط الكافي
جاء الإعلان الليبي عن عدم وجود قتلى مصريين في حادث الكريمية، والذي وقع السبت الماضي، وأعلن خلاله عن مقتل 23 مصريا، من جانب "علاء حضورة" رئيس الجالية المصرية في ليبيا، ليثير تساؤلا حول موقف الخارجية المصرية، وما إذا كان ما جرى خلال اليومين الماضيين من التعامل مع القضية على أنه أمر واقع بمثابة غيبوبة اصيبت بها الخارجية وأجهزة الدولة، أو أنها جاءت بسبب حالة التخبط والحرب التي تعيشها طرابلس بصورة لم تؤد إلى سرعة التأكد من الأخبار المتواترة.
بداية الأزمة
كانت بداية الأزمة بالإعلان في وقت متأخر من مساء السبت بمقتل 23 عاملا مصريا في العاصمة الليبية طرابلس، عقب سقوط صاروخ جراد على منزلهم بإحدى مزارع منطقة الكريمية بالعاصمة.
وكان رئيس الجالية المصرية لدى ليبيا "علاء حضورة" قد أكد لوكالة أنباء الشرق الأوسط على أن العمال الـ23 لقوا مصرعهم، قد صرح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، بأن العمال المصريين لقوا مصرعهم بعد سقوط صاروخ جراد على مسكنهم القائم بإحدى المزارع بمنطقة الكريمية بطرابلس.
قمة التضارب
وعلى اثر هذه التصريحات أكد مصدر من وزارة الخارجية المصرية بأن الوزارة تسعى بالتنسيق مع السلطات الليبية للتحقيق في مقتل 23 عاملا مصريا، والأمر الذي يشير إلى أن الخارجية كانت تتعامل مع الحادث على أنه أمر واقع، بل تعمل على التحقيق فيه، كما ناشدت الوزارة المصريين عدم السفر إلى ليبيا بسبب الانعدام الأمني الذي تشهده الجارة الليبية، كما أوصت رعاياها هناك بالابتعاد عن أماكن الاشتباكات، خاصة طرابلس وبنغازي، حيث لقي العديد من المصريين مصرعهم في الأسابيع الأخيرة.
وخلال الـ 48 ساعة الماضية تضاربت الأقوال إذا ما كان ال 23 القتلى مصريين أو أن اغلبهم مصريين والبقية من جنسيات عربية وأفريقية مختلفة، حيث افادت تقارير إعلامية ليبية أن من بين القتلى 7 سودانيين، بينما أكد مسئول في غرفة عمليات مدينة الزنتان المسيطرة على المنطقة بأن عدد القتلى 17 بينهم مصريون وسودانيون، إضافة إلى إصابة 27 آخرين، وأن المصابين حاليًا في مستشفى الجبل في الزنتان.
وعقب حالة التضارب الجارية جاء الإعلان الليبي والذي نقله السفير محمد أبوبكر، سفير مصر لدى ليبيا، والذي أوضح بأن السلطات الليبية أبلغت القاهرة بعدم سقوط 23 عاملا مصريا قتلى في العاصمة طرابلس.
وأشار إلى أن السلطات الليبية أبلغت الخارجية بعدم وجود أي مواطن مصري بين ضحايا حادث الكريمية بطرابلس بعدما نشر عن مقتل 23 مصريًا نتيجة لسقوط صاروخ جراد على المنطقة التي يسكنون فيها.
أين الحقيقة
وأضاف السفير المصري الذي يتابع مهام عمله من القاهرة: "المعلومات التي حصلنا عليها تؤكد مقتل عدد من الأجانب من جنسيات أفريقية في هذا الحادث تحديدا، سنستمر في استجلاء الحقيقة في ضوء تضارب المعلومات بسبب الأوضاع التي تشهدها ليبيا حاليًا".
الخارجية بدورها أعلنت عقب ذلك على لسان المتحدث الرسمي السفير بدر عبدالعاطي أن وزارة الخارجية تواصل، بالتنسيق مع الأجهزة المصرية الأمنية، اتصالاتها مع السلطات الليبية المعنية للوقوف والاطمئنان على أوضاع المصريين المقيمين في ليبيا خاصة في العاصمة طرابلس في ظل استمرار الاشتباكات المسلحة بها.
وأشار عبد العاطي في بيان للخارجية اليوم أن سفير مصر في ليبيا واصل اتصالاته مع كبار المسئولين في وزارتي الخارجية والداخلية في ليبيا والذين أكدوا عدم وجود قتلي مصريين بين ضحايا في هذا الحادث، وأن الفحص الذي قامت به السلطات الليبية أشار إلى أن الجثث لضحايا من جنسيات عربية وأفريقية من غير المصريين.
وأضاف عبد العاطي أن وزارة الخارجية تتابع التنسيق مع السلطات الليبية للعمل على تأمين أرواح المصريين في مناطق الاشتباكات والعمل على خروجهم إلى مناطق أكثر أمانًا سواء في طرابلس أو بنغازي في ظل وقوع حوادث فردية.
كما تقوم الوزارة بالتنسيق مع السلطات التونسية لتسهيل اجلاء المصريين الراغبين في العودة بطريق الجو من ليبيا إلى مصر عبر تونس، حيث يتواجد وفد قنصلي مصري على الجانب التونسي من الحدود مع ليبيا.
حكومة استاتيكية
وحول ذلك قال المحلل السياسي الدكتور محمد السعدني -نائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا- إن الخارجية المصرية لا زالت "استاتيكية" ثابتة، تخاطب العالم عبر البيانات، ولا تقوم بالتحركات اللازمة على كافة الأصعدة.
وأضاف السعدني في تصريحات خاصة لـ"فيتو" تعقيبا على إعلان كل من مصر وليبيا اليوم بعدم وجود قتلى مصريين في ليبيا،:" كنت ولازلت من أكثر المروجين للرئيس عبدالفتاح السيسي ولانتخابه، إلا أن الآن يبدو أن السياسة المصرية لاتزال دون عقل يحكمها، ودون أي أفكار حقيقية تدير الوضع الحالي، حيث نعمل بعقلية الرئيس في ظل حكومة لا تختلف عن سابقاتها، ورئيسها لا يختلف عن سابقيه، فمصر لازالت بعيدة عن العمل بشكل مؤسسي وهو ما يؤدي إلى هذا".
ويؤكد: "نحن حريصون على مصلحة الوطن، لكن ما يحدث، يؤكد أن هناك اشكالية كبرى لابد من حلها فنحن من صنعنا حفتر بشكل أو آخر ثم تركناه يلاقي مصيره، لو كان هناك ثمة دعم حقيقي، وثمة إحساس بقيمة ليبيا واستقراراها لكان علينا اتخاذ موقف مغاير لكننا تعاملنا مع القضايا السياسية بالجملة، وليس لدينا مراكز تفكير إستراتيجية في الدولة لمحاسبتها".
ويذهب إلى أن وزير الخارجية الجديد سامح شكري لا يعمل بالنشاط الكافي، مشيرا إلى أنه وعندما طرح المبادرة المصرية حول غزة لم يكن هناك تحرك خارجي بالشكل الكافي لحث الدول العربية، والأفريقية، والغربية بالعمل على دعم المبادرة بكافة السبل.
وبرغم ذلك يرى ضرورة إعطاء الخارجية المصرية الفرصة شهر، حيث هناك حركة لتغيير 30 سفيرا وقنصلا، وبالتالي فمن المفروض أن تترك شهرا وبعدها يتم تقييم دورها.
أوضاع سيئة للغاية
أما السفير السفير جمال الدين بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق ,فيشير إلى أن الخارجية المصرية تعاملت مع معلومة المصريين الـ23 الذين تواترت الأخبار عن مقتلهم في قصف استهدف منطقة سكنية بمنطقة الكريمية في طرابلس وفقا للمحددات المتاحة للدبلوماسية، في وقت تشهد فيه ليبيا حالة صعبة إذ تعيش حربا حقيقية.
وأضاف بيومي في تصريحه أن ليبيا الآن تعيش ظروف صعبة، وأن الموقف المصري الرسمي حيال الأنباء بمقتل المواطنين المصريين كان صعبا في ظل العمليات الحربية الدائرة من جانب، ولوجود جالية مصرية كبيرة هناك.
ويوضح أنه حتى السفارة المصرية كانت مهددة خلال فترة الحرب الأولى على نظام القذافي، وكان السفير وقتها يتخذ من مسكنه سكنا يعيش فيه لصعوبة الأوضاع هناك، وحتى تمكن من ترحيل 250 ألف شخص بكافة الوسائل المتاحة برية وبحرية.
ويكمل:" لكن ما بالنا الآن في ظل الوضع الأكثر سوءا الذي تعيشه ليبيا، وحتى أنه سبق أن تم اختطاف السفير، ولا توجد سفارة هناك، والسفير يدير عمله من القاهرة، وحتى لو كان هناك سفارة في ليبيا فإن المرجع لديها للسلطات المحلية، ولكن في ظل الوضع الراهن فإنه لا توجد سلطات محلية فعلية في ليبيا.
وأشار إلى أن الخارجية أبلغت من جانب ليبيا بعدم وجود قتلى مصريين وأنها كانت الوسيلة الوحيدة للانتظار، في حين أنه ومن داخل مطبخ الخارجية -الذي كان فردا فيه فيما قبل- فلا يمكن تغيير معلومة وصلت إليه، أو إدخال أي إضافة فيها، وبالتالي فإن الخارجية اتخذت في هذه القضية الطرق الرسمية المفروضة.