"توفيق الحكيم" عندما يصبح راهب الفكر عدوًا للمرأة
هو كاتب وروائي ومسرحي من الطراز الأول، شغل الناس ومازال بأعماله مثل «عودة الروح»، «التعادلية»، ومسرحية «يا طالع الشجرة»، «أهل الكهف» وغيرها من عشرات الأعمال.
إنه راهب الفكر توفيق الحكيم، الذي كان يكره التميز الطبقي، وشرب الدخان، ولبس القفاز، حمل الساعة، ركوب الدراجة، واستعمال التليفون، كما كان لا يكثر من شراء الكتب، ولهذا اتهم البعض أسلوبه بالركاكة.
التعادلية في حياة الحكيم
استمد الحكيم أغلب أعماله من ثقافته الشرقية أصلًا ثم الغربية، وقد رأى توفيق الحكيم أن الإنسان، على هذه الأرض، وحده لا شريك له، وأنه سيد هذا الوجود، وحر تمام الحرية. ويرى توفيق الحكيم في كتاب "التعادلية"، أن التعادل كان قائمًا مطلع القرن التاسع عشر بين قوة العقل وقوة القلب، وقد اختل هذا التعادل مع الانتظارات أو التطورات العلمية، بينما الدين استمر على مفاهيمه الثابتة والخالدة.
والقارئ الجيد لأعمال الحكيم يجد أن العدل هو المظهر الخارجي، وأن الضمير هو الشعور بالعدل، فقد كان واقعيًا حتى التطرف خاصة في "عودة الروح"، حيث مشهد الغرام بين نافذة مصطفى ونافذة حسنية، وتبادل كلمات الغرام في ضوء القمر وعلى صوت تساقط الزبالة وأوراق القرنبيط التي تقذفها زنوبة على رأس مصطفى من الطابق الأعلى.
وفي "عصفور من الشرق"، نرى توفيق الحكيم في باريس فتى ناحلًا، على رأسه قبعة سوداء متأملًا نافورة "ميدان الكوميدي فرانسيز" ثم واقفًا عند تمثال ألفرد ده موسيه حيث نقش على قاعدة التمثال: "لا شيء يجعلنا عظماء غير الألم العظيم".
لماذا كان يقلق ؟
القلق كان جزءًا مهمًا في حياة توفيق الحكيم رغم خبرته الاجتماعية وتقدمه في العمر، وظهر هذا في روايته " بنك القلق " التي كتبها عام 67، فالقلق لم يفارقه حتى في سنواته الأخيرة إذ يعطينا مسرحيات قلقة من صنف "رحلة صيد"، "رحلة قطار"، ويكشف الهم اليومي للمواطن المصري، كما أن مسرحية "يا طالع الشجرة"، (1962) التجربة الفنية الجريئة لا تخلو من القلق، ويقول توفيق الحكيم: "إن لي منطقًا خاصًا يشدني بعيدًا عما اعتاده الناس. ينظرون إليّ ويقولون: "إما أنه أبله وإما أنه فطن"، وكان طه حسين يراه «يقظان كالنائم، وحاضرًا كالغائب، وغائبًا كالحاضر». وكان صحفيون أمثال أحمد الصاوي محمد، محمد التابعي، كمال الملاح، يهاجمونه بلطف على أنه راهب الفكر، وعدو المرأة.
هل كان الحكيم عدو المرأة؟
لقب "عدو المرأة" كان أحد ألقاب الحكيم في حياته، وعلى مدى سنوات طويلة كانت الصحافة المصرية تنقل حوارات معه تؤكد عدائيته لها حينا، أو تحفظه عليها وحذره منها حينًا آخر، حتى كأنه كان يخشاها في أعماقه.
" آه من المرأة " كانت إحدي هتافات الحكيم في كتاباته، والعبارة صريحة تعكس أن في قلبه جرحًا غائرًا، فالقلب محترق والدواء مفتقد، فإذا أنصتنا إلى ما يقوله بعد ذلك تبين لنا أن معاناته معها قادته إلى أغرب الاستنتاجات، فهو يصفها بالجهاز المشبع بالكهرباء الذي يُلقي منذ مطلع الأجيال تيارات وموجات لا تلتقطها إلا الغرائز، وما العطور التي عرفتها المرأة منذ فجر التاريخ إلا إشارات لاسلكية تخاطب بها حواس الرجال، وكذا البسمات والنظرات والتنهدات وكل ما يهيئ على البعد أثرا يذهب بالعقول.
وفي أحد مقالاته عام 1938 قال: «عدو المرأة والنظام البرلماني لأن طبيعة الاثنين واحدة على الأغلب ألا وهي الثرثرة». لقد كانت نظرته إلى المرأة تقليدية، فكان دائما يحاول إعادتها إلى غرف النوم والمطبخ لأنه رأى في المرأة الخطر الذي يستهلك قوى الرجل المبدعة، وبالرغم من هذا الحذر فإن الحكيم كان مرهف الإحساس تجاه فتنة المرأة، وقد انعكس ذلك في رواية "بنك العصر"، إذ نجد أن العنصر النسائي يتجسد في الشابة المطلقة "قرفت"، وخالتها فاطمة التي مال شبابها إلى المغيب ومع ذلك تشتهي العناق.
وتحل اليوم علينا الذكرى الـ27 على رحيل راهب الفكر ورائد المسرح الذهنى الكاتب الكبير توفيق الحكيم.