شيخ الأزهر: التمسك بآداب الحوار أساس توحد المجتمع
تحدث، اليوم الجمعة، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في برنامجه اليومي، الذي يذاع طوال شهر رمضان المبارك، على الفضائية المصرية، عن آداب التعامل مع الجيران.
وفي بداية اللقاء، أكد شيخ الأزهر فخره بالإسلام، لأنه دعا إلى حسن الجوار أيًّا كان هذا الجار، فالبنود الأحد عشر التي جاءت في حدي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِ اسْتَعَانَ بِكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنِ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ اتَّبَعْتَ جَنَازَتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَلا تَسْتَطِلْ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ، فَتَحْجُبَ عَنْهُ الرِّيحَ إِلا بِإِذْنِهِ، وَإِذَا اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَأَهْدِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلا يَخْرُجْ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهِ وَلَدَهُ، وَلا تُؤْذِهِ بِقُتَارِ قِدْرِكَ إِلا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا"، تنطبق على الجار المسلم، وغير المسلم، والجار الطيب، والجار الخبيث، والجار القريب، والجار البعيد، والجار الصالح، والجار الفاسق؛ أيًا كانت نوعية هذا الجار، فله هذه الحقوق، التي يُبْنَي عليها أسس التماسك في المجتمع، ووردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون دارًا من كل جانب، ومن ثَمَّ لا تكون هناك مساحة للخلاف إطلاقًا، ولا مساحة للكره.
وأضاف شيخ الأزهر: "أن القرآن الكريم احتفى بالإحسان إلى الجار، يقول تعالى: «وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" ففي الآية ثلاثة أنواع من الجيران، وهم: "الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى" يعني الجار القريب، "وَالْجَارِ الْجُنُبِ" يعني الجار البعيد الأجنبي منك، "وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ": يعني رفيقك الذي يرافقك في أي مكان، أو رحلة أو عمل".
وتابع: "أن الأحايث الشريفة التي تتناول الإحسان إلى الجار كثيرة؛ منها: قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره" وأيضًا: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُحسِن إلى جاره"، وأيضًا: " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ"، أي: أن من لا يُحسِن، ومَن لا يُكرِم، ومَن يُؤذي، ليس مؤمنًا إيمانًا كاملًا بالله واليوم الآخر، فالنبي – صلى الله عليه وسلم - نفي الإيمان عن هؤلاء، لكنه لم ينفه بالكلية، وإلا يكون الإنسان كافرًا، وهذا يتعرض لعذاب الله عز وجل".
وأكد الإمام الأكبر، أن المسلم لا ينتفع بشيء من أعماله الصالحة ما دام يؤذي جيرانه، قال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ! إنَّ فلانةً تُكثِرُ من صلاتِها وصدقتِها وصيامِها غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بلسانِها قال:"هي في النَّارِ" قال: يا رسولَ اللهِ! فإنَّ فلانةً يَذكرُ من قلَّةِ صيامِها وصلاتِها وأنَّها تتصدَّقُ بالأثوارِ من الأقِطِ ولا تُؤذي جيرانَها قال "هي في الجنَّةِ"، كانت تُصَلِّي كثيرًا وتصوم كثيرًا وتتصدق كثيرًا، ولكن مشكلتها أنها كانت تؤذي الجيران باللسان، تسب فلانا وتتحدث عن فلان، وتتهم جيرانها، فكانت عاقبتها أنها في النار، وفي المقابل امرأة أخرى كانت لا تكثر من صلاتها وصيامها وتتصدق على جيرانها بالأثوار من الأقط - الأقط: الجُبن المصنوع من اللبن - ولكنها لا تؤذي جيرانها، فكانت عاقبتها أنها في الجَنَّة، فحُسن الخُلُق، وحسن الجوار مع قليل من العبادة، يُدخِل الجنَّة، وسوء الجوار، وسوء الخُلُق مع كثير صلاة وصيام وصدقة، يُدخِل النَّار، فالعبادة الكثيرة انهارت، لأنها ليس لها أساس أخلاقي.
وأوضح، أن البُعد الأخلاقي موجود في المعاملات، وموجود في العبادات، فالعبادات في الإسلام مؤسسة على أساسٍ أخلاقي، ولذلك جاء في الحديث: "ﻣَﻦ ﻟﻢ ﺗَﻨْﻬَﻪُ ﺻﻼﺗُﻪُ ﻋﻦِ ﺍﻟﻔﺤﺸﺎﺀِ ﻭﺍﻟﻤُﻨﻜﺮِ ﻟﻢ ﻳﺰﺩﺩْ ﺑِﻬﺎ ﻣِﻦَ ﺍﻟﻠﻪِ ﺇﻻ ﺑُﻌﺪًﺍ"، فالهرولة إلى المساجد، والصلاة وصيام الإثنين والخميس، لا فائدة منها مع الإساءة إلى الجار، فلا يمكن أبدًا في الإسلام الفصل بين الحالتين؛ لأن الجانب الخُلُقي في الإسلام هو أهم جوانبه، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَقرَبَكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخلَاقًا"، فالقريب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليس مَنْ يكثر الصلاة والصوم...، وإنما مَنْ حَسُنَ خُلقه.
ودعا شيخ الأزهر، الناس إلى انتهاز شهر رمضان ومقدم عيد الفطر المبارك لنبذ الخلافات والخصومات التي تكون بين الجيران، مشددا على أن خيرهما الذي يبادر الآن، ويذهب إلى جاره ويُصافيه، ويصطلح معه ويبدأ معه حياة جديدة.