رئيس التحرير
عصام كامل

المرشد فى رسالته الأسبوعية.. هناك أموال تدفع لصنع البلطجية.. ومؤامرات تدبر لإجهاض الثورة.. والحوار والمشاركة هما السبيل للبناء والنهضة

الدكتور محمد بديع
الدكتور محمد بديع

حملت رسالة المرشد العام للإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع هذا الأسبوع العديد من الرسائل، حيث إنه بدأها بالترضى على الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة، ثم تحدث عن منهج الجماعة الذى يبدأ بالتعريف ثم التكوين ثم التنفيذ، واختتم الرسالة بمهاجمة المتظاهرين ووصفهم بالبلطجية.


وجاء فى الرسالة: على هذا النهج القويم سارت دعوة الإخوان فى هذا العصر منذ أن بدأها إمامنا الشَّهِيد حَسَن البَنَّا رحمه الله، ورضى عنه وأرضاه.. دعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة".

وكم حاول المتحمِّسون والمتعجِّلون اعتساف الطريق واستخدام العنف لسرعة الإنجاز، فوقف لهم الإمام فى حَزمٍ وعَزمٍ مع الهداية والإشفاق؛ قائلاً: "إن هذا الطريق مرسومة خطواته، موضوعة حدوده، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها، أو يقطف زهرة قبل أوانها فلست معه فى ذلك بحال"، ومن صبر معى حتى تنمو البذرة، وتنبت الشجرة، وتصلح الثمرة ويحين القطاف فأجره فى ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين... إما النصر والسيادة، وإما الشَّهادة والسعادة".

وكم واجهت دعوة الإخوان من عداوات ومكر، وحروب ومكائد، وظلم ومؤامرات وصل إلى حد القتل والتعذيب والسجن والاضطهاد لعشرات السنين، مع حملات التشويه والتزييف والكذب والتضليل.. ما دفعها إلى ردّ العنف بالعنف، أو ردّ الإساءة بالإساءة.. ما سعت يومًا للانتقام حتى من القتلة والظالمين، بل احتسبت شهداءها عند الله تعالى.

وحينما لجأ البعض – تحت وطأة التعذيب الذى لا يطيقه بشر – إلى تكفير الظلمة والمعتدين.. كانت الوقفة الحاسمة للمرشد الثانى حسن الهضيبى رحمه الله، حينما أصدر كتابه "دعاة لا قضاة"؛ ليحدد معالم الحق بعيدًا عن ضغط الواقع وانفعال المظلومين الغاضبين.

وكم تعرَّضت دعوة الإخوان فى مسارها الطويل إلى نقد الناقدين ولوم اللائمين حتى من الإسلاميين الذين استبطأوا طريق الدعوة والإقناع والتربية، ولجأوا إلى العنف واستخدام السلاح، فماذا كانت النتيجة؟! دماء وأشلاء.. تأجيج للكراهية لدى عموم الناس، تشويه الدعوة وإعطاء المنافقين والكارهين الفرصة والمبرِّر لضرب الفكرة الإسلامية واضطهاد المؤمنين، وقد شاء الله تعالى أن يفىء هؤلاء – أو معظمهم – إلى طريق الحق ومنهج الأنبياء، وأن يُدركوا أن خير الأمور أواسطها، وأن "الرِّفق ما كان فى شىء إلا زانه، وما نُزع من شىء -أى شىء -إلا شانه"، وأن من القوة كظم الغيظ والعفو عن الناس وخاصة عند المقدرة .

وبعد سنوات من الصبر والمصابرة.. نجح منهج التغيير السلمى بهذه الثورة المباركة، والتى كان من أجمل صفاتها أنها (ثورة سلمية) لشعب مصر الصبور المسالم والحريص على نيل حقوقه؛ لأنه يعلم أن الحق هو الله والعدل هو الله، ولن يضيع حقٌّ وراءه مطالب، وقد فعلت الثورة المصرية ما لم تفعله أعتى الحركات والثورات والانقلابات المسلحة فى 18 يومًا، فقط أزاحت أعتى النظم الدكتاتورية.

ما بالنا، بعد هذا الفتح المبين، وهذا السلوك الراقى الذى بَهَر كل شعوب العالم.. ما بالنا نرى الآن صورًا بغيضة غريبة، من استخدام للعنف والإيذاء والاعتداء من البعض ضد جموع الأمة.. لمجرد خلاف فى الرأى، أو اختلاف فى الأسلوب، أو تعجّل للخطوات.. دون تقدير لحجم المشاكل التى يواجهها بلد كبير، تمت سرقته وتجريفه.

إننا ندرك أن هذه الصورة من استخدام العنف غريبة عن طباع هذا الشعب المسالم الصبور، وأن هناك أيادى خفيَّة تحاول إجهاض الثورة، وإتلاف ثمارها وتشويه صورتها، ودفع الناس إلى الكفر بالثورة والندم عليها.

هناك من يكره لمصر "ولكل دول الربيع العربى" الخير والنهضة، وهناك أموال تُدفع، ومؤامرات تُدبَّر، وخطط خبيثة لإجهاض كل خطوات الثورة فى التحرر وإعادة البناء ومقاومة الفساد ومطاردة الفاسدين.. هناك من يُراهن على عودة الأمور مرة أخرى إلى عصر الظلم والفساد.. من أعداء بالداخل كانوا سدنة للنظام البائد ومنتفعين منه وآكلين على موائده الحرام، ومن أعداء فى الخارج يكرهون عزَّتنا وقوتنا، ويعتبرون الثورة المباركة أكبر تهديد لهم بعدما فقدوا ما وصفوه بأنه "كَنْزٌ استراتيجى لهم"، بل وجدنا حملة منظمة للإساءة المتعمَّدة لجيش مصر العظيم ودرع وسيف ليس لمصر وحدها، بل للأمة كلها على مدار تاريخه، فمن يا تُرى صاحب المصلحة فى هذا؟

من صنع هؤلاء البلطجية؟ ومن جنَّدهم؟ ومن يدفع لهم ليُوهِمَهم.. أو يوهم المخدوعين بهم أنهم (ثوار) أو متظاهرون أو معتصمون؟.. فى ثورة يناير كان كل المتظاهرين سلميين.. واجهوا الباطل بصدورهم العارية، سقط منهم الشهداء الأبرار.. لم يعتدوا، لم يُتْلِفوا، كان الملايين يجتمعون فى الميادين... لم تحدث حادثة واحدة للاعتداء أو الإيذاء، لم تحدث حادثة تحرش واحدة... كان الاتحاد والتآلف والتراحم واقتسام كسرة الخبز.. كان النظام والنظافة والعِفَّة والطَّهارة، فالغاية نبيلة والوسائل أيضًا نبيلة.. ورأى العالم صورة للشباب الأطهار ينظِّفون الميدان بأيديهم، بعد أن نجحت ثورتهم وزالت دولة الباطل، وكما أسقط الله عز وجل وحده النظام، كما هتف الشباب فى ميادين مصر، الله هو وحده المستعان لشعب مصر لإكمال نهضتها.

أين هذا الآن من محاولة هدم مؤسسات الدولة وحرقها بالمولوتوف، وقطع الطرق وتعطيل مصالح الناس ورشق الشَّعب بالرصاص الحى والخرطوش.. مع استخدام كل الموبقات من خمور ومخدرات وتحرُّش واغتصاب؟! ينبغى أن نميِّز جيدًا بين الشباب الطَّاهر الثائر البرىء الذى يتمنى الإصلاح وربما يستعجل آثاره ونتائجه، وبين دخلاء يتم استخدامهم لإفشال النظام الشرعى المنتخب بعد جهد جهيد من صبر الشعب ومصابرته وبذله وتضحياته.

ينبغى أن ندرك أن الحوار والمشاركة، والصدق والإخلاص، وتجريد النفوس من كل هوى أو مصلحة شخصية عاجلة، والنظر إلى حاضر الأمة ومستقبلها، وتوحيد الجهود.. هو السبيل للبناء والنهضة؛ لإنجاح التجربة وإعطاء الأمل والمثل لكل شعوب المنطقة، بل للعالم كله.. كيف تُبْنَى الأمم وتنهض الحضارات، كما فعلت مصر دائمًا.

الجريدة الرسمية