المسكوت عنه في مواجهة الإرهاب
قدم الجيش والشرطة في مصر شهداء أعزاء على الوطن في مواجهة الإرهاب، ولا تزال المعركة مستمرة، وكل يوم يسقط الشهداء فداء للوطن، وكل يوم يطور الإرهاب من نفسه ومن أدواته، هي معركة بكل ما تعنيه كلمة معركة، يستخدم الإرهاب فيها كل ما يقدر عليه من أساليب وحيل، وأول أدواته: غسيل دماغ أتباعه.
يغسل الإرهاب دماغ اتباعه على ثلاثة مستويات: فهناك الفئة التي يعتمد عليها كرأس حربة، الذين سينفذون العمليات أيا كانت نتائجها بالنسبة لهم، انتحارية أو القبض عليهم أو غيرها، والفئة الثانية، هي فئة الذين سيحاولون إثارة التعاطف مع الإرهاب، سواء باستغلال ضيق أو كراهية من السلطة أو التركيز على بعض الأخطاء في الواقع، أو حتى بدوافع دينية وتأويل بعض الأحاديث والآيات على نحو غير صحيح، هذه الفئة مسئوليتها محاولة ترويج التعاطف مع الإرهاب والانتصار له في أرض المجتمع، ثم الفئة الأخيرة، تلك التي لا ترى في الإرهاب هذه البشاعة والفظاعة التي نراها جميعا فيه، وتعتبره حقا لمستخدميه في سبيل تحقيق أهدافهم.
كل فئة من هؤلاء يجب أن يكون لها من يواجهها بنفس طريقتها، الأولى التي تمسك السلاح فمواجهتها عن طريق الجيش والشرطة وأجهزة المعلومات، لكن الفئة الثانية، التي تنشر في المجتمع إثارة التعاطف مع الإرهاب، يجب أن تتم مواجهتها بمفكرين، وتنويريين، وخطاب ديني حقيقي، يكشف للمجتمع زيف ادعاءات هذه الفئة، والفئة الثالثة التي تم تحييدها من فظائع الإرهاب يجب أن تتم مواجهتها بقاعدة عريضة من المواطنين المتلاحمين مع الدولة في حربها مع الإرهاب، يشدون من أزرها، ويأنفون من فظائع الإرهاب.
حتى الآن تسير إستراتيجية مواجهة الإرهاب وفق النموذج الأول فقط، ولم تظهر على أرض الواقع خطوات فعالة في النموذجين الثاني والثالث، باستثناء خطوات وزير الأوقاف الفعالة في استعادة منابر المساجد من براثن الإرهاب – لكن لا يزال هناك الكثير من المصليات الصغيرة والزوايا غير المرخصة خارج هذه السيطرة. ليبقى التساؤل: لماذا لم يتم البدء في المواجهة الثانية والثالثة؟ صحيح أن هذا الخط من المواجهة يحتاج وقتا طويلا، ويحتاج إعداد كوادر وحركات مدروسة، لكن التأخير فيه أيضا يعني أن المعركة ستطول أكثر، خاصة أننا في التسعينات استمر الأمر قرابة السبع سنوات لمواجهة الإرهاب؟
لقد انصرف الشعب المصري منذ زمن عن القراءة، وانصرف أيضا عن الثقافة والحديث فيها ومتابعة حركات التنوير، وأصبح ينظر للعلم من جانبه التكنولوجي فقط دون جانبه الحضاري، بل دمرت العشوائيات ومقالب القمامة روح الجمال في النفوس، وكل هذه الأمور تصعب المواجهة الفكرية مع أصول وقواعد الفكر التكفيري المؤدي للإرهاب.
ورغم هذا نحتاج بشكل عاجل لإستراتيجية دينية ثقافية تعليمية شعبية لضرب منابع الإرهاب ولمواجهة المروجين والمتعاطفين معه، وهذه لا تقل أهمية عن المواجهة الميدانية.