العرش المقدس !
تُحْكم الشعوب والمجتمعات بالأنظمة الديكتاتورية، أو بالحكومات الديموقراطية، أو بمفهوم مؤسسات الإدارة الجماعية .. فالأنظمة الديكتاتورية تقوم على مفهوم تاريخى قديم يرتكزعلى فكرة الملك الإله، حيث تؤلف نظاماً طاغياً متحكماً يلتف حول ذات الديكتاتور الذى يجلس على ذلك العرش المقدس، وتلجأ مثل تلك الأنظمة إلى الاستقواء دائماً بذاتها المتضخمة لفقدانها الشرعية الشعبية ، وهى بذلك تتحول من وضع حكم شعب إلى مايشبه واقع الكيان المحتل الغاصب له، وبالتالى فهى بحاجة لتوظيف قوتها أو التلويح بها وبث الرعب والإرهاب بصورة مستمرة لفرض سطوتها على أفراد المجتمع المنكوب بها، ولا يمكن التخلص من تلك النظم إلا بالثورات الشعبية الكبرى التى تفرض إرادة الشعب وتستعيد حريته.
ونرى نظام الحكومات الديموقراطية يقوم على أساسٍ من شرعيةِ مغالبةٍ مجتمعية، يتم فيها دعوة الشعب لاختيار من يحكمه ، وهى بذلك لا تبتعد عن فكرة الحكم والتحكم، وتهمل فيها إرادة الأقلية فى المجتمع ورأيه، ليتم قهره بديكتاتورية الأغلبية التى تتحكم فى صنع القرار، بل وبفرض أيدلوچيتها الخاصة عليه، وتتحول الأقلية إلى معارضة متحفزة تهدف للنيل من حكومة الأغلبية وإسقاطها، فإن نجحت فى ذلك تتبدل المقاعد فى لعبة كراسى موسيقية لا نهاية لها .
أما مفهوم الإدارة المؤسسية للدولة فهو نظام يبعد عن فكرة الحكم بمفهومه التحكمى القديم، ويبسط فكرة إدارة المجتمع ككيان جمعىٍ منتج تنْصَبُّ فيه الإدارة على المنتَج لا على المنتِج فى المقام الأول، فالمجتمع فيه يمثل شركة كبرى تدار بمجلس إدارة ويقوم رئيسها بتنفيذ ما يتفق عليه المجلس من قرارات، فنجد مثلاً الدستور الأمريكى يكرس ذلك الكيان حيث كرّس مفهوم إدارة مجتمع وليس هيكل حكومة فى واقع الأمر، يدير دولاب الدولة فيها الكونجرس كمجلس لإدارتها، ويقوم الرئيس بتنفيذ مايقرره ، فلا نرى لمفهوم الحكم والتحكم من أحد على أحد فى ذلك المجتمع سبيلاً، فهى الإدارة الأمريكية لا الحكومة الأمريكية ، إنه مجتمع الشورى الذى دعى إليه الإسلام ( وأمرهم شورى بينهم ) والذى تحول عندنا بقدرة قادر إلى دولة الملك الإله، الذى استخدم النظام الديموقراطى خِلْسَةً للجلوس على العرش المقدس القديم !! .