وقف النزيف
في وقت الحرب يبقي الدور الأهم والأعلي للإعلام أن يعمل على حفظ الأرواح. إن الحرب مهما طالت وامتدت لسنوات، ومهما تعاظم الاختلاف فسيأتي يوم يحل فيه السلام. وعلي الصحفي أن يؤسس لهذا اليوم من الآن. فقط البلهاء من يدفعون ناحية الحرب، وبدون هدف واضح ومحدد للحل. فالحرب فشل كافٍ للصحفيين، عليهم إدراكه قبل فوات الآوان، بأن يحاولوا تحقيق وتلمس سبل للكرامة والعدل والآن للطرفين وليس لطرف واحد. والذي يؤسس للمواطنين عدم التفاهم وعدم قبول التفاوض، هو فقط يضيع أرواح الشهداء هباء.
إسرائيل تسعي إلى نصر عسكري من خلال تعميق العمليات العسكرية البرية، وكلنا يعلم أنها القوة الأكبر والتي انتجت تكنولوجيا حوائط الصواريخ والتي تريد تقطيع أوصال حماس، حتى تمنع حركتها داخل غزة. وبالتالي إيقاف إطلاق الصواريخ عليها وإغلاق الأنفاق التي تستخدم لتهريب البضائع والأسلحة. وسعي إعلامها إلى التهويل من قدرة إطلاق الصواريخ حتى بات الشعب الإسرائيلي في رعب، ومؤهل لتعضيد الانتقام العسكري وإحراز الدعم الدولي له. ولكن ما نراه الآن هو تراجع هذا الدعم بعد نشر صور الاعتداء اللاإنساني. وهناك احتمال توسيع للجبهات قد يصيبها من دول الجوار، علاوة على فقد الأرواح غير المنتظر.
كما أن الضغط الشعبي العربي سيصل مهما أثيرت أمامه من عقبات. أما حماس فليس لديها ما تخسره، فهي في وضع اقتصادي منهار وحصار جعل حياة مواطني غزة شقاء. وهذا الوضع دفع محمود عباس للسؤال: ما الذي نريده من قصف الصواريخ؟ ولم يرد أحد. حماس موصومة بالإرهاب، ولكن مع بسالة الشعب الفلسطيني وصموده أصبح لها الحق في أن تطالب مصر والمجتمع الدولي أن يؤمن فتح المعابر، ويعترف بشرعية وجودها كحكومة منتخبة في غزة. والذي إذا قامت إسرائيل بإزالته لا يمكن ضمان من سيحل مكانه.، وهو السبب الذي جعل العالم يتراجع عن إزالة الأسد بعد أن تسبب في قتل آلاف من شعبه.
ويستخدم كلا الجانبين أقصى ما يمكن من تعبيرات في وصف عدوه، فيستخدم الإسرائيليون قتلة المدنيين في وصف الفلسطنيين، الذين يتهمون الإسرائيليين بالتصفية العنصرية. كما بالغ الإعلام الفلسطيني في صب اللعنات على الموقف العربي.
أما الإعلام في مصر والتي ما زال ينتظر منها العالم حقن الدماء. فيتخذ من الهجوم على حماس بعد اتهامها بالاعتداء على أرواح المصريين والمزايدة في إظهار الصلف في التعامل، مسببًا خسارة كبيرة لأوراق الديبلوماسية، والتي تسعي إلى العودة إلى دورها في صناعة القرار بالنسبة للقضية الفلسطينية، بدلا من حفظها داخل المؤسسات الأمنية التي لا تؤدي بها، إلا لمثل هزيمة 67. أو إلى أصوات التشدد التي تحتقر السلام. ويتعارض مع دور مصر التاريخي والممتد حتى الآن في قدرتها على وقف النزيف وتوفير المناخ للشعب الفلسطيني حتى لا يتعرض للدمار.
ومع وجود حكومة أمريكية غير واضحة المعالم لسياساتها الخارجية والمنحازة. والتي تتجسس على أصدقائها قبل أعدائها، ومع وجود روسيا التي تنفث الموت في أوكرانيا وجورجيا، لا يبقي لنا إلا أن نعود أبناءً للإنسانية، ونسعي للسلام من خلال الدبلوماسية. ونركز حربنا على الفقر والجهل والمرض والبيئة المتداعية حولنا. ونؤمن أن المأساة لا تحل بمأساة والقتل لا يوقف الاعتداء والنصر الحقيقي هو وقف العدوان. والأمن يستكمل بالاعتراف بالحقوق. أما بالحرب فالكل خاسر.