"حكاية شعب" من تأميم قناة السويس لـ"السد العالي".. الزيات: الشعور بالفقراء ومجانية التعليم والعلاج سر نجاح عبد الناصر.. إسكندر: الزعيم الخالد تجسيد حقيقي للاستقلال الوطني والعروبة
لا يزال عبد الناصر القدوة والرمز، رغم رحيله عن دنيانا منذ عشرات السنين، ومع أن رؤساء مصر التالين له حاولوا تشويه صورته إلا أن إنجازاته تطاردهم.
الزعيم عبد الناصر يظل في ذاكرة الأمة المصرية، وفى أذهان الشعب العربى بصفة عامة، حتى في دول أفريقيا التي تناساها الجميع، فلم يستطع أي رئيس أن يشغل الفراغ بأى مشروع شعبى يشعر به الناس، بل حاولوا كسر هذا "النموذج" أو على الأقل تشويهه حتى يرضى الناس بما يعطى لهم، وهو ما لم ينجحوا فيه، وظل عبد الناصر يحكم مصر من قبره، ويجبرهم على ما يفعلون بفكره الراسخ في أذهان الشعب المصرى، وهذا ما أكده الدكتور سعيد اللاوندى - الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية- بقوله: " عبد الناصر" ما زال موجودًا في ضمير الأمة العربية عامة والمصرية خاصة، لأنه مس بإصلاحاته عامة الناس، واقترب منهم كثيرًا، فقد قام بخدمة قضية العدالة الاجتماعية، حيث أنشأ المستشفيات العامة وقرر مجانية التعليم، فأعطي بذلك الحياة الحقيقية لأغلبية الشعب المعدم، لذا نرى أبناء الفلاحين والعمال قد رضعوا حب عبد الناصر، فقد هدم الرأسمالية القديمة وأعطى جموع الشعب الحق في الامتلاك، ومن يقومون بالتظاهرات الآن هم أبناء الجيل الثانى إلى الرابع، ولم يروا جمال عبد الناصر ولم يحضروا عهده، ولكنهم يرفعون صوره في احتجاجاتهم لأنهم يعلمون جيدًا انحيازه إلى المعدمين.
وأضاف " اللاوندي" بقوله: على الرغم من محاولات الرؤساء اللاحقين عليه تكريس شكل معين لصورهم، مثل أن السادات "رجل الحرب والسلام"، وأن مبارك "صاحب الضربة الجوية"، وأن محمد مرسي "صاحب المشروع الإسلامي"، إلا أن جمال عبد الناصر يظل باقيا أبد الآبدين.
في السياق ذاته قال الخبير الإستراتيجى حسن الزيات،: ناصر أول من أنقذ مصر من محنتها الملكية السارقة للأقوات، وكان انقلابه مؤيدا من الشعب، لذا عاش في أذهانهم، ومحاولة الرؤساء اللاحقين عليه مقارنة أنفسهم به هو ما جعله يترسخ في أذهان الناس أكثر وأكثر، ومن كان يندهش من حب الناس له فقد أدرك سر ذلك الحب بأنه كان يخدم الفقراء بشكل واضح، وهو من أمم القناة وأنشأ السد العالى وما تبعه من تحسين الظروف المعيشية للناس، ولديه القدرة على تجسيد أحلام الناس، فكان أول مشروعاته قانون الإصلاح الزراعى، فالفلاح الذي لم يكن يحلم بأن يمتلك قيراطًا واحدا أصبح يمتلك خمسة فدادين.
وأضاف الزيات أن "ناصر" سيظل فكرة تسيطر على الناس وتواجه أي رئيس يتولى حكم مصر، لأنه خدم الفقراء وقام بتحويل مصر إلى دولة صناعية، لذا شبه الناس الفريق السيسي به لأنهم شعروا بالكرامة، وأن ما قام به مشروع شعبى.
أحمد جمال، نائب رئيس الحزب الناصرى السابق، أكد أن "عبد الناصر" كان "المسطرة" و"وحدة القياس النموذجية" التي حرص الوجدان الشعبى المصرى والعربى أن يقيس عليها كل رئيس يأتى إلى مصر، بمعنى أن سلوك أو قرارات أي رئيس كانت تقاس على هذه المسطرة، مسطرة الثوابت الوطنية والإنسانية، والتي جسدها مشروع وفكر جمال عبد الناصر، ومن هذه الثوابت قضية الاستقلال والإرادة الوطنية والتنمية الشاملة، ورفض الظلم الاجتماعى.
وأكمل بقوله: كان كل من يتولى حكم مصر يحاول أن يظهر وهو مرغم أنه يسير على خطى "عبد الناصر"، إنهم بذلك يعتبرون أنفسهم لا يخالفون الثوابت الوطنية العادلة، وفى نفس الوقت كانوا يحاولون - كل بطريقته- تغيير هذه الثوابت عن طريق عدة دعاوى مختلفة، منها أن الظروف تتغير ولم تعد كما كانت في الخمسينيات والستينيات، وأن الدنيا تتطور، وأن السياسة الناصرية لم تعد تجدى، وهو ما كان يفعله الرئيسان أنور السادات وحسنى مبارك، ونرى ذلك عندما تنكر السادات للانتماء العربى، وحصر مصر عربيًا، واستفرد بها العدو الإسرائيلى والأمريكان، كما انتهج السادات سياسة "الانفتاح سداح مداح"- كما وصفه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين- مما أدى إلى تفشى ظاهرة "القطط السمان"، فاختلت الموازين الاجتماعية، ثم حدثت ثورة الجياع في يناير 1977، أما في عهد حسنى مبارك فالأمور أكثر مما تحصي، فقد جمع بين الاستبداد والفساد، وهى معادلة تقضى على كل الثوابت، ويأتى محمد مرسي ليؤكد - دون قصد - أن عبد الناصر كان صائبًا 100% لأن "الإخوان" اختاروا الدم والأشلاء والتجارة بالدين، وهو أقصر سبيل لهدم أي ثوابت في أي مجتمع، وهو ما قاله عبد الناصر منذ زمن.
محمد سامى - رئيس حزب الكرامة، عضو لجنة الخمسين – قال عبد الناصر ببساطة شديدة كان منحازًا إلى الأغلبية الشعبية البسيطة، ففى خلال السنة الأولى من حكمه أصدر قانون الإصلاح الزراعى، وباختصار فمصر الحديثة تم بناؤها من اثنين هما محمد على وكانت أسبابه معروفة، وعبد الناصر وأسبابه عرفت وشعر بها الناس، فقد رغب في صنع دولة فريدة بالعالم كله، قوامها التعليم والجيش القوى والرعاية الصحية، فلا يوجد فلاح أو عامل حقيقى لا يذكر عبد الناصر، فبصمته شملت سائر المواطنين، بصمة لا يمكن أن تنسى، فبعد مرور 43 عاما على رحيله ومازال فكره مسيطرا على حكم مصر، ومن يرد أن يشوه صورته يأت دائما ويتحدث عن هزيمة 67 ولا يتذكر أنه مات في عام 1970 أي بعد مرور 3 سنوات على الهزيمة، وعلي مر التاريخ لم تشهد مصر جنازة كجنازته التي لم ولن تتكرر.
واستطرد "سامي" قائلا: كان عبد الناصر يقوم بإنشاء مشروعات حقيقية وليست للوجاهة مثل مشروع توشكى الوهمى للرئيس المخلوع مبارك، ونصر أكتوبر الذي كان يتباهي به الرئيس السادات، كان بالجيش الذي أسسه عبد الناصر، فالمقارنة تأتى دائما من العمالقة، وعبد الناصر العملاق الذي فرض نفسه، وهو القياس الحقيقى لمن يريد أن ينال استحسان شعبه، فيجب أن يسير على نفس نهج وخطى عبد الناصر.
أما أمين إسكندر - القيادى بحزب الكرامة- فقال: عبد الناصر تعبير عن الاستقلال الوطنى والأمة العربية والعروبة، هذه الأهداف جعلت من كل رئيس من بعده يحاول الانقضاض عليه وتشويه صورته، وفى نفس الوقت محاولة تقديم أنفسم بأنهم قاموا بإنجازات للشعب مثلما فعل "ناصر" في صورة تظهر قمة التناقض.
وأضاف: بعد مرور43 عامًا من وفاة عبد الناصر تستطيع أن ترى صوره وهى مرفوعة في أمريكا اللاتينية، لأنه نموذج للاستقلال الوطنى، وفي ثورة 25 يناير ارتفعت صور عبد الناصر، وأيضا في ثورة 30 يونيو، لأنه الرمز والقيمة، وقد حاول كل رئيس جاء بعده إنشاء مشاريع مشابهة، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، فالرئيس السادات حاول الظهور بأنه الرئيس المؤمن صاحب الدولة المسلمة، والرئيس مبارك قال: "العروبة دى موديل قديم ولا تتناسب مع متطلبات العصر"، والرئيس المعزول مرسي حاول تقديم نفسه كرئيس للدولة السنية، ولكن لم تنجح أي من هذه الأفكار، لأن فكر عبد الناصر كان الدولة العربية المسلمة إلى أجبرت كل الدول على السير خلفها.