هبلة ومَسِّكوها طبلة
الإعلام المصرى ومنذ سنوات ومع انتشار القنوات الخاصة دخل في مرحلة "غيبوبة إعلامية" إن صح التعبير.. ففقد الكثير من مميزاته وأخلاقياته المهنية..و دخل إلى ساحة الإعلام مجموعة من المتأعلمين..مُدعى الإعلام ممن تصوروا أن الإعلام صخب وضجيج وصوت عال..وأن الإعلامي المتميز هو صاحب الصوت الأعلى..وأنه المُخول بالافتاء والحديث في كل شىء وأي شىء.. بدءا من كرة القدم وانتهاءً بالسياسة والأمن القومى.!
و هذا التصور الخاطئ للإعلام والإعلامي..أوقعهم في مشاكل بل وأوقع الدولة نفسها في مشاكل لا لزوم لها..فمن مذيعة تتطاول على سفير دولة نحاول ترميم العلاقات القديمة معها..إلى أخرى تتطاول على ملك وشعب وتصف اقتصاده بالقائم على الدعارة..وآخر يخلع حذاءه على الهواء ويلوح به مهددًا ويقول "أنا مش لاقى راجل في غزة " ويتباهى بوقاحته ويقول "أنا أبو الشتيمة"..وأخرى تصف ما حدث من تحرش بالتحرير "الشعب مبسوط خليه يهيص"..وأخرى وعلى شاشة تليفزيون الدولة تخلط الحابل بالنابل مما يحدث لأهل غزة وتقول "ما يموتوا واحنا مالنا" ثم تأخذها نشوة التهكم وتقول "مش هنفتح المعبر.. وسيبكوا بقي من نبرة الشقيقة الكبرى والكلام ده..إحنا زهقنا منه"..كلام وتصرفات خرقاء لا تعبر إلاَّ عن ضحالة وقلة ثقافة وتدنى مستوي الوعى.. سقطات وخطايا لا تليق بأدنى مستويات الإعلام فما بالكم بإعلام مصرى كان رائدًا في يوم من الأيام وتعلم منه الجميع..
للأسف الشديد تدنى أسلوب حوار هؤلاء المتأعلمين ومن هم على شاكلتهم على الشاشات حتى اقترب من أسلوب الشوارع بل والعشوائيات ووصل إلى مرحلة "الشرشحة" و"فرش الملاية".. لقد نقلوا لغة الشارع والعشوائيات للشاشات ظنًا من هؤلاء المتأعلمين أنهم بذلك يقتربون ويتواصلون مع الناس..و لكن هناك فرق بل فروق بين لغة الشارع ولغة الإعلام - أو هكذا يجب أن يكون - فالإعلام رقى وارتقاء بالذوق العام..و ليس ابتذالًا وتدنىيا وإسفافًا..
لقد تصور هؤلاء المتأعلمون أنهم زعماء من حقهم نقد وانتقاد كل شىء وأي إنسان مهما كان مركزه أو مجاله.. خاصة بعد 25 يناير وما تلاها من أحداث..وحالة الانفلات الأخلاقى والمهنى التي سادت الإعلام على أيديهم.. حيث الكل يتكلم بلا ضابط أو رابط..وحيث سقطت كل الأعراف والقيم والتقاليد المهنية والأخلاقية..لقد تصوروا الثورة فوضى وخروج على كل الأعراف..و زاد من غرورهم وأوهامهم سكوت الجهات الرسمية والشعبية على تدنى لغة خطابهم..وضحالة تفكيرهم..وسوقية لغتهم..فصدق عليهم المثل الشعبى القديم "هبلة ومسكوها طبلة" زاد ضجيجهم وصخبهم و"رغيهم" وتعالت أصواتهم وزادت حدتها.. والنتيجة لا شىء.. "جعجعة بلا طحن"..
ولكن عندما يصل الانفلات الإعلامي إلى حد التطاول على دول وشعوب.. وتعريض العلاقات الخارجية المصرية للتوتر والمشاكل فلابد من وقفة حازمة مع أمثال هؤلاء المتأعلمين ممن تصوروا أنفسهم زعماء وأبطالا..وقادة رأى وهم فاقدوه.. لابد من عودة القيم المهنية الإعلامية والتي يرونها "موضة قديمة" من خلال ميثاق شرف إعلامي حقيقى يُوضع موضع التنفيذ.. فانفلات وفوضى هؤلاء المتأعلمين ستؤدى إلى انهيار الإعلام المصرى أكثر مما هو عليه الآن.. وساعتها سنندم حيث لا ينفع الندم.. أو بعد فوات الآوان..