رئيس التحرير
عصام كامل

الإسلام السياسى وتاريخ من الصراع والدماء


بداية لا بد أن نفرق بين الإسلام كعقيدة، وبين تيار الإسلام السياسى، فالإسلام كعقيدة أو غيره من العقائد لها كل الاحترام قدر احترامنا لأتباع هذه العقائد فالإنسان حر فيما يعتقد وفيما يعبد، وهو مبدأ لم نحد عنه طول حياتنا، ولكن ونحن هنا نتكلم عن تيار الإسلام السياسى أو هؤلاء الذين يريدون الوصول للسلطة باسم الدين، مرددين شعارات مثل إحياء دولة الخلافة، ولو عدنا للتاريخ لرأينا أن تاريخ هذا التيار ملىء بالدماء، فثلاثة من الخلفاء الراشدين تم قتلهم، بل إن أحفاد رسول الإسلام تم قتلهم وسحلهم والتمثيل بجثثهم، أما ابن أبوبكر الصديق أول خليفة للمسلمين، فقتل أيضا، بل ولف جسده فى جلد حمار ثم أشعلوا فيه النار.


ومن ينظر لتاريخ التيار الإسلامى يجده يتكون من فصائل وفرق ومجموعات دائما تختلف فى المنهج والفكر والأسلوب مع أنها تزعم جميعها أنها تحكم باسم الدين وباسم الإسلام وحسب شرع الله وسنة رسوله، هذه تتجمع وتتوحد عندما تواجه عدوا خارجيا ولكنها ما إن تنتهى من مقاتلة العدو المشترك حتى تتحول لمجموعات متصارعة متحاربة متناحرة فتقاتل بعضها البعض، حدث ذلك عقب حروب التتار ثم عقب حروب الصليبيين وفى الماضى القريب عقب انسحاب السوفيت من أفغانستان.

وفى مصر ومن يتابع حركة التيار الإسلامى فى نهاية الثمانينات والتسعينات داخل الجامعات المصرية وخصوصا فى صعيد مصر يجد أن الإخوان والجماعات الإسلامية كانوا يتحدون فى هجومهم على الطلبة الأقباط وما إن ينتهوا من ضرب وسحل الطلبة الأقباط حتى تشهد الجامعات صراعا حاميا بين الجماعات الإسلامية من جهة والإخوان المسلمين من جهة أخرى، وبالرغم أن الإخوان كانوا الأكثر عددا والأكثر تنظيما إلا أن التفوق كان دائما للجماعات الإسلامية لأنها الأشرس والأكثر ميلا للعنف، فلم يكن يمر أسبوع واحد فى أى جامعة من جامعات الصعيد دون معركة بين الطرفين تنتهى بهزيمة الإخوان وبضربهم بالجنازير والسكاكين داخل الحرم الجامعى.

وأتعجب كثيرا لمن ينظر للصراع الدائر بين الإخوان والسلفيين هذه الأيام نظرة اندهاش، وكأنهم لم يقرأوا تاريخ هذا التيار القديم أو الحديث، وهم مثلهم مثل من أعطى صوته لمرسى نكاية فى شفيق من باب " نديله فرصة"، كنت أتوقع حدوث هذا الصراع بل أعتقد أن أمريكا فى دعمها لوصول التيار الإسلامى للحكم، كانت تنتظر حدوث هذا الخلاف ليكون بداية حرب أهلية فى مصر تقسم على إثرها مصر لعدة دويلات، فاستمرار تحالف التيار الإسلامى مستحيل، وهو مرهون بوجود وقوة التيار الليبرالى أى أنه سيبقى، طالما ظل هناك وجود قوى للتيار الليبرالى ولكن سيزول هذا التحالف مع القضاء على التيار الليبرالى أو العلمانى الكافر كما يسمونه.

الغريب هذه المرة أن الصراع بدأ بعد تنسيق واجتماع حزب النور مع القوى المدنية أعقبه مبادرة حزب النور لحل الأزمة الحالية فى مصر، بالإضافة لمعارضة السلفيين لقرض صندوق النقد الدولى باعتباره ربا، ما أغضب الإخوان فكان ردهم صبيانا بعزل خالد علم الدين من منصبه كمستشار للرئيس لشئون البيئة، الأمر الذى أشعل ثورة غضب التيار السلفى وشهدنا وصله من الردح المتبادل، فخالد علم الدين لم يبك دماء الشهداء أمام قصر الاتحادية ولا فى شوارع وميادين مصر ولكنه بكى على إقالته من القصر من منصب هو يقول عنه أنه لم يستطع أن يقابل الرئيس فى خلال ثلاثة أشهر فكيف كان يقوم بوظيفته كمستشار لرئيس لم يتقابل معه.

لم يثر السلفيون لكرامة المصريين ولا لتدهور الحالة الاقتصادية ولا لاستخدام العنف ضد المتظاهرين ولم يحرك لهم ساكنا دموع أمهات وأهالى الشهداء، ولكنهم غضبوا من أجل منصب شرفى وسجل يا زمان واكتب يا تاريخ!!!.

فى النهاية لا أتوقع للخلاف الإخوانى السلفى أن يستمر طويلا فسيتحدون آجلا أو عاجلا لمواجهة التيار العلمانى الذى يزداد قوة على حسابهم يوما بعد يوم، ولكن هذا الصراع كشف عورات وكذب هذا التيار ورأينا نادر بكار يتهم مرسى بقتل المتظاهرين ورأينا سلفيين يعترفون بقيام المجموعة 95 إخوان باقتحام الأقسام والسجون، وبعد أن كان من يخرج على مرسى مرتد وكافر ومباح دمه أصبحوا هم خارجين عليه ويطالبون بمحاكمته، ورأينا ابن الشاطر يصف بكار بأنه " إذا خاصم فجر" "دعوها فإنها منتنة"، ليظهر جزء من الوجه الحقيقى لهذل التيار الذى يدعى التدين.

فأى تدين فى التستر على القاتل وأى تدين فى التستر على من دمر الأقسام والسجون وأى تدين فى السكوت عن كلمة الحق، انها أيام صعبة مريرة ولكنها تجربة قد نخرج منها بأن يكشف الشعب حقيقة هذا التيار لعل الشمس تشرق يوما، وقد لفظهم المصريون وخلصوا مصر من قبضتهم، كم أتمنى أن يستفيق شعب مصر قبل فوات الآوان.


الجريدة الرسمية