رئيس التحرير
عصام كامل

السيسي والمجانين والعملاء!


العمالة أن تخدم عدوك، ليس بالضرورة أن يتم تجنيدك بمرتب شهري أو بالسيطرة عليك بنقطة ضعف ما، بالجنس أو بالمخدرات أو بالمال، وليس بالضرورة أن يكون لديك ضابط ارتباط يتابعك وتمامك ينتهي عنده، لا، انتهى ذلك من العالم كله، اليوم العمالة تتم بمجرد أن تكون آلة، تؤدي وتلعب دورا للأعداء وقديما عرفوا الهزيمة وقالوا إنها " عندما يشعر العدو أنه حقق أهدافه من معركته " ولذلك أطلقوا على ٦٧ نكسة، لأن مصر حاربت بعدها بأيام ورفضت تحت القصف قبول الشروط الإسرائيلية!

وتذهب الأيام وتجيء، وإذا سألت أي طفل عربي سيقول لك إن العدو الرئيسي لمصر هي إسرائيل، بقيت معاهدة السلام أو ألغيت، قامت حرب أو لم تقم، تفوقت إسرائيل في الميزان العسكري أو تفوقت مصر، هذه هي العقيدة المصرية الموجودة حتى عند أكثر الحكام أو الأنظمة المصرية تخاذلا، هكذا يدرسون الإستراتيجية في كل المعاهد المصرية، عسكرية ومدنية، وهكذا يرى كل خبراء الإستراتيجية، حاليون أو سابقون، وبعد إسرائيل يحدد الخبراء المصريون مصادر الخطر على الأمن المصري والعربي، ولا يتحدث مسئول أو خبير، إلا وقال العبارة هكذا " الأمن القومي العربي، أو الأمن القومي لمصر وللوطن العربي " !

ولأنهم يدركون أن الوحدة العربية مشروع يسير في الاتجاه المضاد لدولة إسرائيل الكبرى، لذا سعوا لتشويهه، وزرع فكرة الدولة القطرية، أي أن كل دولة تهتم بشئونها ومصالحها حتى تأكلها الفتن وتنتهي واحدة بعد أخرى، حتى تحين لحظة تسلم الجائزة الكبرى، مصر، هي الجائزة الأخيرة لإسرائيل ومعها مكة، لثأر قديم لن ينساه اليهود أبدا !

بالمعنى البسيط السابق، ماذا يفعل المجانين؟! تراهم باختصار يهللون وسعداء للمساعدات العربية الخليجية لمصر، ويتحدثون بلسان الوحدة والعروبة، وهم أنفسهم يهللون لفوز الجزائر في كأس العالم، ومنهم من يصرخ لما يحدث في سوريا والعراق، ومنهم من يغضب لتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، وهم أنفسهم من هللوا لمقولة السيسي الشهيرة " مسافة السكة " ! لكنهم هم أنفسهم من يحرضون ليل نهار على قتل الفلسطينيين، ويباركون العدوان عليهم، ويقللون من أي انتصار فلسطيني، وهم بذلك لا فرق بينهم وبين حماس، كلاهما يؤدي للعدو دورا، ويقدم للعدو خدمات، حتى لو أقسم بغير ذلك، وهم بذلك يسيرون في عكس مصلحة مصر، التي تقتضي الاستعداد ليوم قادم لا محالة في مواجهة إسرائيل حتى لو بعد ألف عام، وكذلك الحذر من ألاعيب حماس، فالمواجهة مستمرة معها لتخديمها في الأصل على أهداف الإخوان وليس حقوق الشعب الفلسطيني !

السيسي، ابن المؤسسة العسكرية، يدرك ذلك تماما، فتجده يتصرف خارجيا بذكاء وحذر، فبعيدا عن العلاقات الممتازة مع الخليج وبغير تشنج وﻻ ضجيج فهو صاحب التهدئة الرائعة مع إثيوبيا، وهو من دعا البشير، الذي نشكو من دعم السودان للإخوان، لزيارة مصر، وهو من يتعامل رغم كل شيء مع القيادة الحاكمة في ليبيا، وهو من يزور الجزائر في أول أسبوع له بالحكم وهو من يدين الإرهاب في تونس، وهو من يرسل المعونات إلى فلسطين، وهو من يقيم علاقات جيدة مع نظام المالكي مثلا في العراق، لأنه يريد أن يرسل أكثر من رسالة أهمها:

حصار داعش مسألة مهمة ليس للعراق ومصر فحسب وإنما للوضع في سوريا أيضا، ويريد أن يقول إننا نتعامل مع الحكومة الشرعية ولا نتعامل على أسس طائفية، ولو تعامل على أسس طائفية لكان قدم لإسرائيل وأمريكا أكبر خدمة في بداية الصراع الطائفي بين أكبر دولة سنية مع أكبر دولة شيعية، إلا أنه ينزع الألغام واحدا بعد آخر، ويسعى لحصار المصائب العربية إلى قدر المستطاع، إنه يريد أن تدب الحياة إلى الجسد العربي المريض، والمتهالك، ليفشل المخطط الكبير الخطير للمنطقة كله، ومن جذوره، ويفعل ذلك وفي هدوء بالغ، لأنه يدرك الأمن القومي لبلاده، وليس كغيره، ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وهم ليسوا إلا عملاء بشكل أو بآخر، حتى لو أقسموا على غير ذلك !

ما يجري أحد أسرار الغضب الغربي الأمريكي على مصر والذي بلغ حد الهستيريا، فلا معونة عادت ولا الأباتشي رجعت ولا الحدود هدأت ولا الجزيرة توقفت ولا الحرائق في مصر خمدت!
اللهم بلغت، اللهم فاشهد !!
الجريدة الرسمية