رئيس التحرير
عصام كامل

ننشر أول شهادة لطبيب في «مذبحة الفرافرة»

المجند طبيب أحمد
المجند طبيب أحمد محمود فتحي أبو القمصان،

روى المجند طبيب أحمد محمود فتحي أبو القمصان، شهادته عن الحادث الإرهابي الذي استهدف كمينا تابعا لقوات حرس الحدود بمنطقة الفرافرة في محافظة الوادي الجديد، مساء السبت، وأسفر عن استشهاد 21 مجندا وضابط، وإصابة 4 آخرين.


وكتب «أبو القمصان»، في تدونيه عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، اليوم الأحد: «كنت مريح في أوضتي كالعادة، ورن جرس التليفون: إطلع طيران حالا يا دكتور.. أطلع انا ولا المسعف كالعادة ؟!، إنت بنفسك، تمام يا افندم هغير واطلع».

وأضاف: «بصيت في الساعة كانت 6.20، المغرب قرب.. الاستعدادات لم تكن لتدريبات الطيران المعتادة، الطيارة طالعة في مهمة، وأنا مش جاي اراقب.. ركبوني الطيارة بسرعة وأقلعنا.. كنت سعيدا جدا، دي مش أول مرة أطير مع الجيش في هليكوبتر، دي أول مرة أطير في حياتي خالص.. فكرت اتصور، ورجعت في كلامي عشان ما يبانش اني طفولي.. أذان المغرب واحنا طايرين، قسمنا كام بلحة على بعض، وشوية ماية كانوا في الطيارة، وسألتهم احنا رايحين فين؟.. طيب حصل ايه؟.. محدش عارف».

وتابع: «وصلنا وجهتنا في حدود الثامنة مساء.. اعداد هائلة من سيارات الإسعاف.. تسارعت ضربات قلبي، وهبطت الطائرة.. حاولت أخرج.. استني لما نشوف الأول، وخرج رقيب ومساعد جريا، وأنا متابع من شباك الطيارة.. رجعوا جري وقالوا: انزل، لا.. ليه؟.. كله ميت».

وواصل: «بدأ حمل الجثث إلى الطائرة.. دخلت الجثة الأولى محمولة بأيدي جنود من الجيش.. الثانية والثالثة، وأنا مش عارف اسأل ايه اللي حصل.. دخلت الجثة الرابعة، وفجأة وقعت ايده من البطانية الملفوف فيها.. ميزت البدلة اللي لابسها، كانت بدلة الجيش، والجثث كلها لجنود من الجيش.. عندها بدأ عقلي يرسم ما حدث.. أبص عليهم تاني يمكن حد عايش؟.. ملوش لأزمة يا دكتور.. كانوا يقرأون الهيستريا على ملامحي.. عندها فهمت.. لماذا يضع الجنود أيديهم على الجثث بعد رصها؟.. انهم يودعون رفاقهم».

وأردف: «رصينا ثمان جثامين، وخلصت الأماكن المخصصة للجثث.. مفيش مكان؟.. رص في الأرض.. بدأت افقد أعصابي.. أبص عليهم تاني يا جماعة يمكن حد عايش؟.. اهدي يا دكتور خليهم واقفين على رجليهم.. افترشت أرضية الطائرة بالجثث.. كفاية؟.. رصوا فوق بعض.. بكيت كما لم يحدث من قبل.. كانت الدموع تجري وانا اراقب الجنود تحمل رفاقها دون وداع.. لم يكن احدهم يبكي، لكن صوتي بدأ يعلو تدريجيا ولا اراديا.. أدركت أنني أضعف رجال الجيش.. رقدوا سويا كما تعودوا أن يناموا سويا..
لم تفارقني رائحة دمائهم إلى الآن.. أشهدكم أيها الشهداء أنني لن أنعم بفرح بعد اليوم».

الجريدة الرسمية