ننشر نص كلمة شيخ الأزهر بمجلس حكماء المسلمين.. الطيب: الله في المسيحية "المحبة" وفي الإسلام "السلام".. أعداء الأمة يمدون المتطرفين بالسلاح لتقسيم الدول العربية.. الحضارة الإسلامية أمن وأمان وسلام
ألقى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، كلمة خلال الاجتماع الأول لمجلس حكماء المسلمين، والذي عقد صباح اليوم الأحد بأبوظبى.
وقال الطيب في كلمته:"إنها للحظة تاريخية أن تلتقيَ هذه الكوكبةُ من حكماء المسلمين وعلمائهم في هذا الشهر الكريم وفي هذا البلد الطيب لإطلاق مجلس حكماء المسلمين، الذي يضمُّ بين جنباتِه خِيرة عُلَمَاء الإسلام وفقهائهم، ويتطلَّعُ عبر جهوده المنتظَرة - بمشيئة الله تعالى - إلى تعزيز السِّلم الاجتماعي للأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة".
وأضاف أنه كان الظَّن بهذه الأُمَّة ألَّا يأتي عليها يوم تبحث فيه عن السَّلام الداخلي بين شعوبها، ورُبوع أوطانها، فلا تظفر منه إلَّا بِسرابٍ خادِع كَذُوب، رغم أنها تُمسك بيديها كتابًا إمامًا في صياغة أنموذج عالمي للسَّلام النفسي والمجتمعي والكوني.
وأشار إلى أن هذا الإسلام الذي أنشأ أمة، وصنع تاريخا، وأبدع حضارة هو دينُ سلامٍ للعالم أجمع، يصنعُ الأمنَ والسَّلامَ بين أهله ويُصدِّرُه للإنسانيَّةِ جمعاء، وأرسَلَ الله نبيَّه رحمةً للعالمين، وطلب إلى أتباعَه أن يكونوا رُسلَ سلامٍ فيما بينهم أوَّلًا، ثم رُسلَ سلامٍ إلى الدنيا كلها، بل رسلَ سلامٍ إلى عالم الحيوان والنبات والجماد.
وتابع:«أليس المسلمُ من بين سائر الناسِ هو الإنسان الوحيد الذي يُلقي السلام على نفسه وعلى عباد الله الصالحين في صلواته المفروضة عليه أكثر من سبع عشرةَ مرة كلَّ يومٍ على الأقلِّ؟، أليس السَّلامُ هو تحيةَ الناس فيما بينهم لقاءً وافتراقًا؟ ألم تتكرَّر لفظة "السلام" في اثنين وأربعين موضعًا في القُرآن الكريم؛ احتفاءً بشأن السلم وتأكيدًا على خطرِه العظيم في بناء الفرد والمجتمع؟! ألم يُسَمِّ القرآنُ الكريم الجنَّة التي أعدَّها الله لعباده الصالحين باسم: "دار السَّلام"؟ وجعل تحيَّةَ أهلها فيما بينهم هي كلمة "السَّلام"؟»
الله في الإسلام السلام
وأكد شيخ الأزهر، أنَّ الإسلامَ كدِينٍ هو، في نفس الأمرِ وحقيقته، أخو "السلام" وشقيقه، كلاهما مُشتَقٌّ من جِذرٍ واحدٍ في اللغةِ العربيَّةِ، وإذا كان اللهُ في المسيحيَّةِ هو "المحبَّة"، فاللهُ في الإسلامِ هو "السَّلامُ"، والسَّلامُ أحدُ أسمائِه تعالى، ونحنُ مأمورون في دينِ الإسلامِ بأنْ نتشبَّه بصفات الله الجميلةِ ومنها: السلامُ قدر ما تُطيقُه طبيعتُنا البشريَّةُ المحدودة.
وأشار إلى أن الحَضارةُ الإسلاميَّةُ تأثرت بهذه الأُصولِ المقدَّسةِ فجاءَت حضارةُ "سلام وأمن وأمان"، كما جاء الإسلامُ دينَ "سلامٍ" ورحمةٍ ومودَّةٍ، "ولم يُحدِّثنا التاريخُ أن أمة من أمم العالم شَقِيَت بحضارةِ المسلمين أو عانت بسببِها من الخوف والجوع والموت".
وقال:"إذن فكيف انقلبت أمورُ هذه الأمَّةِ رأسًا على عَقِب، وفي غُضون سنواتٍ قليلة لا تتجاوَزُ عِقدًا من عُقود الزمان، وأصبح الإسلامُ الذي هو صانع السَّلام على مدى أربعة عشر قرنًا أداةً في يدِ شِرذِمة من بني جلدتِنا لنشر الرُّعب والخوف والموت وإراقة الدماء، وانقلبت الدعوة في عُقولِهم وأيديهم من دعوةٍ إلى الله تعالى إلى دعوةٍ لتكفير المسلمين، وقذفهم بالقنابل، وطحنِهم بالدبَّابات والأسلحة الثقيلة".
وأضاف: "هؤلاء ما كان لهم أن يَبلُغوا ما بلغوه من الإجرام والشَّر والضلال لولا أنَّ وراءهم من أعداء الإسلام والعُروبة في الشرق والغرب مَن يمدُّهم بالمال والسلاح والعدة والعتاد، لتنفيذِ مخططهم الإجرامي الذي حِيكَت خيوطُه في غُرَفٍ مُظلِمة، وبُيِّت أمرُه بليلٍ، وأصبحت مؤامرة تجزئة المُجزَّأ وسايكس بيكو الجديد أمرًا مَكشوفًا لا يستَحُون من إعلانه، ولا من توظيف مَن ينفذ جرائمه في الداخل ممَّن لم يَتربَّوْا على موائد العِلم الشَّرعيِّ الصحيح، وهانت عليهم أمانتُهم ودِينُهم وأوطانُهم".
وتابع: "لم يكن بدٌّ، والأمر كذلك، من أن يتحمَّل عُلَمَاءُ الأمَّة وحُكَماؤها مسئوليَّاتهم الصعبة في هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمرُّ به أمَّتُنا الآن، وأن ينقذوا أمَّتَهم من المصير البائس الذي يتربص بها وبأبنائها، وذلك بمواصلة التَّدبُّر والتَّفكُّر العميق والتخطيط الدقيق، والصبر والمثابرة، وبذل الجهد لِنَشر السِّلم وتَحقيقه وتكريسه في مجتمعاتنا الإسلامية والعالمية، وفق منهجٍ وسطيٍ سديدٍ، وفقه رشيد، يُوائم بين فهم النص وفقه الواقع، بعيدا عن مَسالِك الإثارة والتهييج والحماس الزَّائِف".
وقال:"حسنًا ما أقدمت عليه دولةُ الإمارات العربية المتحدة، حين تنبَّهت لهذه الأخطار المحدقة بالأمَّةِ من داخلها وخارجها، وتيقَّظت للآثار المُدَمِّرة التي يُمكن أن تأتيَ على هذه الأمَّةِ من الجذور، فهدَتْها العنايةُ الإلهيَّةُ إلى فكرة مجلس حكماء المسلمين، والذي نجتمع اليوم لإطلاقه بصورةٍ رسميَّةٍ".
وأضاف:"إنِّي إذا أُقدِّمُ خالص الشُّكر الجزيل والثناء العاطر لقيادةِ دولةِ الإمارات على احتضان هذا المشروع الذي يأتي في وقتِه الصحيح وفي هذا الظرفِ الدَّقيقِ.. أتمنَّى أن يُوفِّقَ الله عُلَمَاء المُسلِمين وحُكَمائهم لتحقيق هذه المهمة وهذا الطُّموح على الوجه الأكمل".
يذكر أن مجلس حكماء المسلمين، أنشئ تنفيذًا لتوصيات منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي عُقِدَ بدولة الإمارات العربيَّة المتَّحدة، في يومي 7و8 جمادى الأولى عام 1435هـ، الموافق 9 و10 مارس 2014م، تم إنشاء مجلس حكماء المسلمين، والذي يتكوَّن من عددٍ من عُلَماء الأمَّة وخُبَرائها.
ويهدف للمساهمة في كسرِ حدَّة الاضطراب والاحتراب التي سادت مجتمعاتٍ كثيرةً من الأمَّة الإسلاميَّة، والحد من اتِّساع نِطاق استباحة حُرمة الأنفس والأعراض والأموال، وما يُحدِثُه كلُّ ذلك من آثارٍ نفسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة تَفُتُّ في عَضُدِ الأمَّة بما يُنذِر بتفتُّتها والإمعان في تقسيمها.