«رمضان» شهر الصبر والنصر.. انتصارات المسلمين في شهر الصيام ليست «صدفة».. صلاح الدين رفض تأخير الجهاد بسبب الصوم.. والمصريون انتصروا على الإسرائيليين في الشهر الكريم
حقق المسلمون، على مدى تاريخهم، في شهر رمضان، انتصارات متتالية، فكانوا يتنقلون خلاله من مرحلة الضعف إلى القوة، ومن القلة إلى الكثرة، ومن الذل إلى العزة، ومن الاستكانة، إلى التمكين.
كانت باكورة تلك الانتصارات المدوية، غزوة بدر الكبرى، في السنة الثانية للهجرة، والتي وقعت في مثل هذا اليوم ١٧ رمضان، وهى من أهم الانتصارات التي ثبتت دعائم الإسلام، وفرضت احترامه والاعتراف به على القبائل العربية، في وقت كان أحوج ما يكون فيه إلى هذا النصر المبين، والله يقول عن هذه الغزوة: «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة».
غيَّرت «بدر» مجرى التاريخ؛ لذلك سماها الله «يوم الفرقان»، وفى بدر وُضِعَتْ كل قواعد بناء الأمة الإسلامية؛ وعرف المسلمون أن النصر من عند الله العزيز الحميد، وليس بالعدد ولا العدة، فلا يصلح لأمة بعيدة عن ربها، عن دينها أن تنتصر.
وفى العام الثامن من الهجرة، كان الموعد مع حدث من أهم أحداث التاريخ الإسلامى، إنه فتح مكة، اللقاء الأخير والفيصل مع مشركى قريش؛ فقد خرج الرسول وجيش المؤمنين من المدينة المنورة قاصدًا مكة في 10 رمضان، وفتحها في 20 رمضان.
وفى العام الثالث عشر من الهجرة، انتصر المسلمون في موقعة البويب بقيادة المثنى بن الحارثة، على الفرس، وكان عدد المسلمين في هذه الموقعة 8 آلاف فقط، والفرس مائة ألف بقيادة «مهران»، أعظم قُوَّاد الفرس، وتم اللقاء في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، ودارت موقعة من أشدِّ مواقع المسلمين، أمر فيها المثنى جنوده أن يُفطروا؛ ليتقوَّوا على قتال عدوهم، مقتديا بفعل الرسول الكريم، في فتح مكة، وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا، وأبلى المثنى وجيشه بلاءً حسنًا، وتنزَّلت رحمات الله وبركاته على الجيش الصابر، فانتصر المسلمون انتصارًا رمضانيًّا هائلًا.
وفى عام 53 من الهجرة، فتحت جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، عندما أرسل إليها أمير المؤمنين الصحابى الجليل معاوية بن أبى سفيان -رضى الله عنه- جنادة بن أبى أمية الأَزْدِى لفتحها، ولم يؤخِّر المسلمون القتال إلى ما بعد رمضان مع الصعوبة الشديدة لقتال البحر؛ لأن الجهاد لا يُؤَخَّر، لذلك لم ينتظروا انتهاء رمضان، بل مَنَّ الله عليهم بفتح الجزيرة.
وفى رمضان عام 91 هـجريا، فتح المسلمون أولى صفحاتهم في سِفْر الأندلس الضخم، عندما نزلت الفرقة الاستكشافية المسلمة التي أرسلها موسى بن نصير بقيادة طريف بن مالك ؛ لاستكشاف الأندلس، وفى رمضان عام 92 هجريا، التقى المسلمون -وهم 12 ألف رجل- بقيادة طارق بن زياد، بمائة ألف إسبانى بقيادة رودريك، في معركة هائلة داخل أرض الإسبان وفى عقر دارهم، والفارق هائل في العدد، ومع ذلك انتصر المسلمون فيها، بعد ثمانية أيام متصلة؛ ليبدأ المسلمون قصة طويلة في الأندلس استمرت أكثر من 800 سنة.
أما عن جهاد صلاح الدين الأيوبي، فحدث ولا حرج؛ إذ ما كان يُفَرِّق بين رمضان وبين أي شهر من شهور السنة، كل الشهور عنده جهاد، ليس هناك راحة، فما أن انتهى من حطين وفتح بيت المقدس، حتى اتجه مباشرة إلى حصار صور في 9 رمضان سنة 583هجريا.
معارك متصلة في كل شهر، خاضها القائد الإسلامى، إلى أن حرَّر صفد في رمضان سنة 584 هـجريا، بعد سنة من حطين، وعندما كان بعض الوزراء يعرضون عليه تأجيل القتال بعد شهر الصوم، كان يرفض ويصر على الجهاد.
في 25 رمضان سنة 658 هـجريا، جرت موقعة عين جالوت، وفيها كان الانتصار الإسلامى الباهر بقيادة سيف الدين قطز على جحافل التتار، وكانت جيوش التتار تنتصر على جيوش المسلمين انتصارات متتالية بلا هزائم ولسنوات عديدة، مذابح من أبشع مذابح التاريخ، إبادة لكل ما هو حضاري، تدمير لكل شيء في البلاد الإسلامية، من أول يوم دخل فيه التتار في أرض المسلمين سنة 616 هـجريا حتى سنة 658 هـجريا؛ 42 سنة متصلة، وصل المسلمون فيها إلى أدنى درجات الذل والهوان، ثم تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى في رمضان، وليس كأى انتصار؛ لقد فنى جيش التتار بكامله.
وفى رمضان عام 879 للهجرة فتح السلطان العثمانى محمد الفاتح، بلاد القرم، وفى رمضان عام 1241 للهجرة، فتح إبراهيم باشا مدينة ميسولونجى ببلاد اليونان.
ولن ينسى التاريخ انتصار المصريين المدوى على الكيان الصهيونى في حرب العاشر من رمضان 1393 هـ «السادس من أكتوبر 1973».
وليس صحيحا أن حدوث تلك الانتصارات المدوية والتاريخية في شهر رمضان «مجرد صدفة»، كما يردد بعض المرجفين، فالصدفة لا وجود لها في تدابير خالق الكون الذي يقول عن نفسه: «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ».
وفى هذه الصفحات.. نتذكر معا أبرز الانتصارات والملاحم الإسلامية، التي سطر فيها جند المسلمين، انتصارات مدوية ومذلة، على أعدائهم، في شهر رمضان مهما كانت كثرتهم، «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله»، « والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».