أماني الخياط مش غلطانة
هي مقدمة البرنامج الصباحي على قناة أون تي في، والتي أثارت تعليقاتها الجارحة ضد المغرب وملكه وشعبه استياءً واسعًا (يمكنك مشاهدتها على اليوتيوب). أدت إلى تدخل نجيب ساويرس مالك القناة وإلى تدخل رئيس القناة ألبرت شفيق، وفي النهاية قدمت أماني الخياط اعتذارًا مطولًا عن كل ما قالته وأشادت بالمغرب وشعبها وملكها.
لو أن هذه التصريحات للصديقة أماني كانت ضد دولة أخرى يعاديها النظام الحاكم ومؤيدوه، أظنك ستوافقني أن رد الفعل سيكون مختلفًا. تخيل مثلًا لو أنها ضد قطر وشعبها وملكها، كانت ستتحول أماني إلى بطلة ولن يعاتبها أحد. ولو أن هذه التجاوزات ( وهي بالفعل خطيئة صحفية كبرى) كانت ضد ثوار يناير (وقد حدثت بالفعل)، ما ثارت الدنيا وهاجت. ولو أنها ضد فصيل سياسي معارض لمن يحكمون الآن ولمناصريهم، ما حدثت مشكلة.
دعني أذكر القارئ الكريم أن تجاوزات مثل التي فعلتها أماني فعلها آخرون، وهي منهم، ضد تيارات سياسية وضد أسماء أشخاص محددين، وتم اتهامهم بالخيانة والجاسوسية وعدم الوطنية.. إلخ ولم يحدث شيء ولا حتى عتاب. بل وأصبحت نجومية مقدم البرامج وأجره، يتوقف ليس على مهنيته ولا على احترامه للمشاهدين، لكن على "الزعيق" واعتبار نفسه الذي يفهم في كل شيء، ويفتي في كل شيء. إذن المشكلة ليست في الخطايا الصحفية والإعلامية، وهي كثيرة، ولكن المشكلة هي موجهة ضد من. فإذا كانت ضد خصومك سوف تصمت، وإذا كانت ضد أحبائك السياسيين، فهنا سوف تغضب وتثور.
اتصور أن هذه هي جوهر المشكلة. فالمؤكد أن قرار نجيب ساويرس مالك القناة بأنه سيحقق في الأمر بنفسه، وموقف الصديق البرت شفيق رئيس القناة أمر جيد ومحترم. لكن دعونا نمد الخط على استقامته، ونطالب بضرورة وضع قواعد حاكمة للأداء الإعلامي. فللأسف زاد هذا الانفلات بعد ثورة 30-6 أكثر من أي وقت مضى. فقد انتقل الكثير من الزملاء مقدمي البرامج من خانة أن عملهم هو استعراض كل الأخبار وطرح ومناقشة كل الآراء، إلى خانة أنهم أصبحوا محرضين ضد خصومهم السياسيين.
تحريض يصل أحيانا إلى تبرير العنف والدعوة إليه. تحريض يستند إلى تحريف للأخبار وتحويل الخصم السياسي إلى شيطان رجيم، من حق أي أحد ومن حق الدولة أن تفعل به ما تشاء دون أي مراعاة للقانون ولحقوق الإنسان. لقد تحول مقدمو البرامج إلى خبراء في كل شيء وعلماء في كل التخصصات. أصبحوا يعتبرون أنفسم قادة للأمة، سلطة فوق كل سلطات الدولة، أو للدقة سلطة تعتدي على كل سلطات الدولة وتعتدي على من تشاء من البشر وقتما تشاء.
لذلك أظن أن علينا الاستفادة من هذا الموقف لكي يضع ملاك هذه القنوات التليفزيونية والعاملين فيها على قواعد مهنية وأخلاقية يتم الالتزام بها. فهذا يصون هذه المهنة العظيمة، مهنة الصحافة، ويصون البلد من معارك لا طائل منها. بتعبير آخر ينقل الصحافة من خانة أنها جزء من المشكلة، إلى خانة أنها جزء من حل المشكلة.