علاج "سي".. تجربة يهودية على المصريين
الحديث عن الاكتشافات الطبية أو الأدوية الجديدة، يجب أن يخاصم التدليس، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بـ 15.5 % من أبناء الشعب المصري، المريضين بالتهاب الكبد الوبائي.
هذه النسبة تمثل نحو 14 مليون إنسان، وتضع مصر على قمة أكثر عشر دول في العالم موبوءة بهذا المرض، وهو رقم لا يرقى إلى حلم أي شركة أدوية في العالم، لأن مليون فقط منه كفيل برد عشرة أضعاف النفقات الباهظة على البحث العلمي وتجريب الدواء الجديد.
الشركة الأمريكية اليهودية "جلعاد" التي وقّعت أخيرا، بروتوكولا مع وزارة الصحة المصرية، لإدخال علاج "فيروس سي" الجديد إلى مصر، عبر 26 مركزا حكوميا لعلاج الكبد، وافقت على منحه للوزارة بـ 2200 جنيه للعلبة، ولم تذكر أن المريض يحتاج منها ما بين 3 و6 علب لإتمام الجرعة، أي ما بين 6600 و13200 جنيه للفرد المشمول بالتأمين الصحي، أو العلاج على نفقة الدولة.
لم تذكر وزارة الصحة ـ ربما عمدا ـ أن المراكز الحكومية الـ 26 ـ لا يمكنها علاج أكثر من 20 ألف مريض سنويا فقط، كما لم تذكر أيضا أن البروتوكول يقتضي السماح للشركة بطرح العقار في الصيدليات العامة بسعر 14800 جنيه للعلبة (28 قرصا)، أي أن المريض في حاجة إلى 44400 جنيه في حالة اكتفاء حالته بثلاث علب، أو 88800 جنيه، إذا أكمل الـ "كورس" بست علب.
بذلك، سيضطر معظم المصريين للهرولة نحو الصيدليات لشراء العقار، الذي تنتجه شركة أمريكية يهودية اسمها "جلعاد"، وقصدت وزارة الصحة كتابة اسمها وذكره في الصحف، على أنه "جلياد".
وبتجاهل البعد السياسي، فإن الشركة تستهدف علاج أكثر من مليوني مصري في العام الأول من طرح العلاج في مصر، أي أنها تستهدف جني مبلغ يزيد على 1.7 تريليون جنيه من مصر خلال العام الأول فقط، وهو مبلغ يكفي لإقامة 850 مصنع أدوية في مصر (ملياران للمصنع الواحد)، مع جلب المادة الخام من الهند، لتصنيعه أسوة بالدول التسعة الأخرى في قائمة الدول الموبوءة بفيروس سي، طبقا للوائح منظمة الصحة العالمية بخصوص تجاوز شرط فترة الاحتكار للأدوية التي تتعلق بالأوبئة.
الدكتور رسمي طلعت الخبير المصري في أبحاث الأدوية، والذي كان يعمل مديرا للبحث في شركتي "وايز" و"فايزر" الأمريكيتين، حذر من أن تكون اتفاقية وزارة الصحة مع الشركة اليهودية، ما هي إلا حلقة جديدة من دراسة إكلينيكية لاختبار الدواء الجديد في علاج فيروس "سي" بمفرده على مرضى مصريين، تحت إشراف وزارة الصحة.
رسمي يؤكد أن النشرة الطبية المرفقة بالعلاج في أمريكا، تشترط تعاطي العقار الجديد مع أقراص "ربا بايرن" وعقار "إنترفيرون"، وهو ما لم تذكره الاتفاقية المصرية، حيث تركت هذه المعلومة مبهمة، كغيرها من المعلومات التي كان يجب توضيحها، مثل: عدد الجرعات المخفضة وحجمها (بالقرص أم بالعلبة).
وكانت وزارة الصحة قد أعلنت في مؤتمرها الصحفي أنها ستحصل على 170 ألف جرعة بالسعر المخفض لمراكزها العلاجية المعتمدة للكبد، واتضح أن الجرعة تعني القرص الواحد، ما يعني أن العدد الفعلي للجرعات المخفضة هو حاصل قسمة الـ 170000 على 28 قرصا، ثم قسمة الناتج على 3 أو 6 وهو عدد العلب الذي يحتاجه المريض في دورة العلاج، وهذا يعني أن عدد الجرعات المخفضة الرسمي أو الحقيقي هو 2023 جرعة كاملة في حالة نجاح العلاج خلال ثلاثة أشهر، أو 1011 جرعة فقط إذا تطلب العلاج ستة أشهر.
هذا التدليس المركب متعدد الأوجه الذي مارسته وزارة الصحة، على شريحة تنتظر الأمل أو الرحمة، يدخل ضمن سياسة الضربات الفلاشية للحكومات المصرية، منذ ما يزيد على 33 عاما، إذ لا يهم على ما يبدو أن ننتج فعلا، بل الأهم أن نكون في الصورة، حتى لو كانت مفبركة أو مصنوعة.