رئيس التحرير
عصام كامل

المرأة المطلقة ومحكمة المجتمع (2)


تكثر حول المرأة المطلقة الإشاعات التى فى أغلبها لا تتعدى أن تكون احتمالات وتأويلات تخالف الحقيقة، تسعى لتفرض الوصاية على تصرفاتها، أو نُدينَها ونتهِمَها فى أخلاقها، وشرفها، ودينها، لمجرد أنها أخطأت أو فشلت فى زواجها .

مع أن الفشل فى الزواج ووقوع الطلاق ليس قرارا صادرا عن فردٍ واحد، إنما عن شريكين يتحملان معا مسئولية فشلهما بحياتِهما الزوجية، كما يتحملان أسباب انهيار علاقتهما معا.

وبكل الحالات فالمرأة المطلقة تظل واحدة منا، هى من بناتنا وأخواتنا وأهلنا، فواجب علينا أن نحميها، ونراعى ظروفها، ونبرر أخطائها، وعلينا أن نرشدها ونوجهها ونهديها إلى الطريق المستقيم، ونمنحها الأمل لتبدأ حياة جديدة، بأحلامها وطموحاتها وأهدافها، وتعمل على تحقيق رسالتها فتكون عنصرا فعالا تساهم فى تنمية مجتمعها .

وواجب علينا كذلك أن نشعرها بأنها ليست وحدها، وليست غريبة فى أهلها ووطنها ومجتمعها، إنما كلنا بجانبها وحولها، نخدمها ونساندها وندافع عن حقوقها، ونشد أزرها، ونساعدها حتى تتجاوز محنتها، لأننا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولأن من قيمنا الإسلامية أن نتحِد وننصر بعضنا فى السراء والضراء، ونوفر مصالح بعضنا، مصداقا لقول الحق سبحانه: (فاستبقوا الخيرات) “البقرة، 148”، وقوله سبحانه: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) .

والمرأة المطلقة تحتاج كذلك من كل فرد من أفراد أسرتها وأبناء مجتمعها إلى الرحمة والشفقة مهما أخطأت أو حادت عن جادة الطريق، تلك الرحمة التى أوصانا بها النبى صلى الله عليه وسلم فقال: < الراحمون="" يرحمهم="" الرحمن،="" ارحموا="" من="" فى="" الأرض="" يرحمكم="" من="" فى="" السماء،="" الرحمة="" شجنة="" من="" الرحمن="" فمن="" وصلها="" وصله="" الله="" ومن="" قطعها="" قطعه="" الله="">>، وقال صلى الله عليه وسلم، رحمة بالنساء لغلام يحدو بهن يقال له أنجشة: < رويدك="" يا="" أنجشة="" سوقك="" بالقوارير="">> قال قتادة: يعنى ضعفة النساء.

وقبل أن نتهم المرأة المطلقة علينا أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لها لنحميها وندافع عن حقوقها؟ وماذا قدمنا لها لتوعيتها وإرشادها؟
ولْتكن غايتنا ليس الترويج للطلاق، فهو أبغض الحلال عند الله، ولكنه الحلال الذى أحله الله، والحل الذى وضعه الشارع للرجل وللمرأة حين تستحيل العشرة بينهما .

وغايتُنا تحسين صورة المطلقة داخل المجتمع، وصرف الإشاعات والظلم عنها، حتى تستطيع أن تحيا حياة كريمة .
وغايتُنا أن نتحمل مسئولية تقصيرنا فى مواجهة مشاكلنا، ونسعى لتصحيح ما نراه من أخطائنا وسلبياتنا بمجتمعاتنا، ونعمل على تغيير نظرتنا ومفاهيمنا الخاطئة، وعاداتنا وتقاليدنا وطباعِنا السيئة التى لا أصل لها من شريعتنا، ونحاكم أنفسنا قبل أن نحاكم غيرنا، ونعتلى منصة القضاء ونصدر الأحكام من غير أدلة ولا شهود ولا دفاع .

إن المرأة المطلقة ليست إلا حالة من حالاتٍ كثيرة، ما زالت على الرغم من تقدمنا تعانى منها المرأة داخل مجتمعاتنا، التى ما زالت تحمل مفاهيم خاطئة، وما زالت تقيم الحياة الإنسانية بعقل بشرى لا بشمولية الإسلام وعدله، لهذا لا تقدر حاجات المرأة وضروراتها الإنسانية، ولا تعترف بكيانها وحريتها وكرامتها واستقلالها ولا بحقوقها التى كفلها الشارع لها.

ولهذا نحتاج لنعيد فهمنا لنظرة الإسلام للمرأة ولمكانتها داخل المنظومة الاجتماعية، وكنواة داخل أسرتها، ولأدوارها ووظائفها، كما نحتاج لتصحيح نظرتنا للطلاق ولماذا أحله الله، حتى نقدر أن نعالج الكثير من قضايا المرأة ومشاكلها، لنؤهلها لتكون مربية الأجيال القادمة التى ستبنى وتحقق الازدهار والتقدم لأمتنا .


الجريدة الرسمية