رئيس التحرير
عصام كامل

برلمان "كشيك" يحاكم الرئيس


الطريق إلى كشيك معبد بالخضرة النضرة، وكشيك لمن لا يعرف قرية صغيرة تابعة لمركز "أبو حماد"، وقد عشت سنوات طوالا أعتقد أنها تابعة لبلبيس، وهي مثل قرى مصر التي لم تجرحها المدنية الحديثة إلا فيما ندر؛ فالناس لا يزالون مترابطين، متداخلين، متوادين، متراحمين إلى حد كبير، لم يدهسهم قطار الحياة السريعة بعد، وإن كانوا في أحاديثهم يتندرون بما كان عليه الآباء والأجداد.

دعوة على الإفطار من الصديق سيد الدمرداش رئيس تحرير مجلة أخبار السياحة كانت وراء المناقشة العميقة التي عشت وقائعها مع عدد كبير من أطياف المجتمع الريفي والحضري في آن واحد.. الطريق من القاهرة إلى بلبيس محاصر برمال صفراء فاقع لونها إلا من قليل من الزراعات الواهنة، الضعيفة التي توحى بما عليه أصحابها.. من بلبيس إلى كشيك بحر مستغرق من الخضرة التي تبث في النفس واحدة من حالات البداءة المذهلة، مع سلسلة من التعديات على الزراعات، تعد القاسم المشترك لبعض ما جنيناه من الفوضى العارمة.

في كل بيوت كشيك "ركية النار" و"جوزة نحاسية" و"معسل خاص" صنع الشراقوة، وشاى على نيران الفحم، ويحلى الكلام وترتفع حدة النقاش.. شحتة عرندس مواطن مصري ينتمى للطبقة المتوسطة، ويمتلك حكمة قضاة القضاء العرفى، طلب من الجلوس أن نتناقش فيما تمر به البلاد.. على الفور تبوأ كل منا موقعه، واستدارت الحلقة في نقاش ضم فلاحي وبسطاء القرية الخضراء وبعض رجال السياسة وبدأت المحاكمة.

الأستاذ أحمد حسن رئيس الحزب الناصرى طرح قضية "ملامح التحرك الجديد للرئيس" وقال فيما قال إن الناس لا تعرف حتى الآن وجهة الرئيس الجديد، ولا بوصلة تحركه، وقال أيضا إن قرارات التحرير الجزئي للطاقة خطيئة كبرى؛ لأنها تمس فقراء البلاد، وهنا يتدخل شحتة عرندس ويحتد صوته وهو يقول: إنني لا أرى منطقا في دعم الدولة لي بمائتي جنيه في كل مرة أذهب فيها إلى محطة البنزين، وأردف قائلا: يجب أن نقضي على الفساد المجتمعي، وضرب أمثلة حول أنشطة الاقتصاد السرى، مؤكدا أن هناك بيوتا ضخمة، ومزارع دواجن، تستخدم الكهرباء شهريا، بمبلغ قدره سبعون جنيها فقط، عن طريق ما يسمى بالمقايسة، وهي أن تقوم ببناء مخالف، ثم توصل له الكهرباء، وتستدعي الوزارة لتقرر عليك سبعين جنيها شهريا فقط لاغير.

ولم يتوقف عرندس عند هذا الحال، مطالبا بضرورة تسهيل إجراءات تراخيص المحال والورش وكل الأنشطة؛ لإغلاق الباب الخلفي للرشوة، وفتح آفاق جديدة لدفع مستحقات الدولة.. يقاطعه السيد أبو عبلة أمين عام حزب الأحرار، مؤكدا أن الرئيس اتخذ القرار في توقيت خاطئ، وأن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام، ويشاركه أحمد حسن؛ فيما ذهب إليه، مشيرا إلى أن توجه السيسي لا يزال رأسماليا رغم ما عانيناه من وحشية هذا النموذج، مطالبا بضرب الفساد بيد من حديد.

من بين الجلوس فلاحون بسطاء تحدث أحدهم عن رفع سعر السولار وأثره السيئ على الفلاحين، وهنا يتدخل محمد حسونة موظف بإحدى شركات التأمين، ويمتلك أراضي زراعية، ليقسم للجلوس أنه أيام الإخوان كان يسهر الليالي في محطات الوقود لشراء صفيحة السولار بخمسين جنيها، ويدفع الرشاوى؛ ليشتريها بهذا الثمن البخس، فلماذا نثور ونحن نجدها متاحة بسعر رسمى نساهم به في دفع عجلة الاقتصاد وتخفيف حدة الأزمة على الدولة؟!

همسات في جنبات المكان تتحدث عن غضبة شعبية هنا وهناك.. بعضهم يرى أن الرئيس بهذا الشكل يمضي في الطريق الخاطئ، ويقاطعهم البعض الآخر تحت شعار "إيه اللي رماك على المر" مؤكدين أن البلاد تمر بمنحنى خطير، ولابد أن نكابد من أجلها.. الأستاذ إبراهيم الوروارى أحد قادة الرأى بالمنطقة، ومرشح محتمل لمجلس الشعب القادم، يرى أن النقاش المجتمعى قبل أي قرار كفيل بتقبل الأمر مهما كان صعبا، يشاركه في الرأى الصحفي عبده مغربى، وإن كان أشد عنفا ضد القرارات الأخيرة.

خلاصة القول.. إن الإفطار الرمضاني أظهر حجم الخلاف المجتمعي حول القرارات الاقتصادية الأخيرة، ومنحنا بارقة أمل فيما يجب أن يفعله الرئيس، خاصة فيما طرحه البعض حول ضرورة خلق تحد كبير، خصوصا أن المنطقة يتهددها خطر التقسيم، وواشنطن متورطة حتى النخاع في هذا الملف، ونحن لا نزال نتعامل معها كما كان يتعامل النظامان السابقان.. نظام مبارك ونظام الإخوان ولم نتجه شرقا حتى ولو بقليل من الخطوات!!
الجريدة الرسمية