فن إدارة الجولات الميدانية
أصبح معيار الحكم على كفاءة الوزراء في العمل والإنتاج هو مدى قدرتهم على القيام بجولات ميدانية والتواجد في الوزارة قبل السابعة صباحا، فإذا نجح الوزير في هذين الأمرين يكون أدى واجبه على الوجه الكمل وأراح ضميره وجلس على كرسي الوزارة مرتاح الضمير مغمض العينين، وإذا جرى الوزير جرى الوحوش في البرية بطول مصر وعرضها دون أن ترصده كاميرات التليفزيون أو تلمحه عدسات المصورين فلن يشعر به أحد، وسيظل في نظرة الجميع وزير "بروطة" لا يغادر مكتبه ويتحدث الجميع أنه يحب الرحرحة والجلوس في تحت التكييف، ومعنى هذا أن كاميرات الصحافة والتليفزيون لابد أنه تسبق خطوات الوزير.
كما أنه لا يمكن أن نساوى بين جولة ميدانية لوزير وآخر فهناك وزراء أصبحوا أصحاب نظريات في الجولات الميدانية ويضرب بهم المثل في كيفية التسويق لها، وأن وجود أحدهم في جولة ميدانية كفيل أن يجعلها تنافس دراما رمضان، وتتصدر الصفحات الأولى من الصحف وبرامج التوك شو، وبلغت هذه العينة من الوزراء من الخبرة ما يجعلهم مدرسة في تأصيل فن الجولات الميدانية حتى أصبح كل نشاط يقوم به جولة ميدانية في حد ذاتها حتى لو أعلن عن دخوله أو خروجه من الحمام.
كما أن هناك مجموعة أخرى من الوزراء لم يرزقهم الله موهبة فن إدارة الجولات الميدانية، وهؤلاء يكون عمرهم الوزارى قصيرا جدا ومستقبلهم محكوما عليه بالفشل مهما قدموا من اجتهادات وتفكير خارج الصندوق وحلول لأزماتنا المستعصية على الحل طالما أن هذه الحلول لم تخرج في الهواء الطلق وتحت نار الشمس المحرقة ولم تلتحم بالجماهير، ولم تقدم شهادة من 10 مواطنين أنك قمت بجولة ميدانية، تصبح وزيرا ضعيف الهمة منزوع الدسم لم تعرف كيف ترد جميل مصر عليك، ويكون مصيرك الخروج مع أول تعديل وزارى غير مأسوف عليك.
وحتى تنجح الجولة الميدانية لابد أن تتوافر لها مجموعة من الشروط وإلا كتب لها والعياذ بالله الفشل، أولها تحديد الوقت الذي يقوم به للقيام بالجولة الميدانية فلابد ألا يتزامن مع أي حدث سياسي أو رياضى أو فنى حتى لا تسرق منه أضواء الكاميرات، كما أنه لابد أن يشيع الوزير أن الجولة الميدانية "مفاجئة" مع العلم أن الجولة يكون جرى الترتيب لها قبلها بعدة أيام ودعوة الإعلاميين وحجز أماكن الإقامة إذا كانت الجولة في محافظة بعيدة أو حجز مطعم الغداء إذا كانت داخل العاصمة، وهذه خطوات كفيلة أن تجعل مصر كلها على علم بالجولة الميدانية.
أيضا لابد أن يختار الوزير منطقة نائية لم يزرها رئيس حى قبل ذلك وتكون الخدمات معدومة فيها تماما حتى يلتف حوله المواطنون وتحدث الزيارة صدى بين الجماهير، ومن الشروط المهمة التي تتصدر قائمة فن الجولات الميدانية أن يستقل المسئول والمرافقون له الميكروباص ويركب الوزير أو المحافظ بمفرده بجوار السائق وهو يرتدى نظارة سوداء حتى لا يتعرف عليه " المعجبون" وعندما يخلع نظارته يفاجئ الجميع أنه المسئول الكبير يسير وسط الجماهير بكل تواضع، أيضا لابد أن يرتدى الوزير أو المحافظ قميصا "متواضعا" ولا مانع من استعارته من السائق أو طقم الحراسة، ويكون قميصا "بكم" في الشتاء و"نصف كم" في الصيف كما أسس هذه القاعدة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، كما أنه لابد أن يكون المسئول الكبير في مواجهة الكاميرات بشكل مباشر وأن يختار الأماكن التي يتوقف فيها حتى يسهل المهمة على المصورين بحيث يختار أماكن واسعة للتوقف وإبداء الملاحظات.
أيضا لابد أن يبدو على الوزير الغضب الشديد والإرهاق والتعب وألا يستقر نظره في مكان واحد وهو يتجول حتى يشعر كل من يشاهد الجولة أن ما شاهده الوزير في جولته " المفاجئة" شيء لا يصدقة عقل وأن الرجل يحتاج إلى ملاحظات الأطباء من هول ما رآه، ومن شروط الجولات الميدانية الناجحة أن يتوقف الوزير فجأة أمام أحد الأخطاء التي يراها وهو يصيح قائلا "حرام عليكم ما شاهدته اليوم لا يرضي ربنا لابد من احترام المواطن انتوا فاكرين نفسكم فين؟ لقد ولى زمن عدم حساب المقصرين، اتقوا ربنا في المصريين، لن يسامحكم الله يا مجرمين" "راعوا ضمائركم الميتة" وتبلغ الدراما مداها عندما يعلن المسئول الكبير تحويل كل القائمين على المشروع للتحقيق مع العلم أن الزيارة من الممكن ألا يكون بها مشروع أو قائمون عليه، ومن أجل مزيد من الدراما لا بد أن يصفق كل من يقف بجوار الوزير وهم يصيحون الله أكبر يحيا العدل بما فيهم المحولون إلى التحقيق.
بتواضع هذا حق المصريين علينا وهذا أقل ما نقدمه للوطن بعدها يتقدم منه مواطن بسيط يطبع على وجهه قبلة، ويكون هذا إيذانا بإنهاء الزيارة وبعد انتهاء الجولة الميدانية لابد أن يقف المستشار الإعلامي للوزير أمام الكاميرات وهو يتحدث بكل ثقة أن هذه الجولة لم تحدث من قبل وأن ما فعله الوزير لم تشهده أي وزارة منذ عرفت مصر الوزارات، وأن الوزير أصر على أن تكون الجولة سرية حتى أنه أمر سائقه بغلق تليفونه المحمول حتى لا يعرف أحد إلى أين يتجه سيادته، ولا مانع أن يردد عدد من المواطنين في الخلفية بنحبك يا وزير وبعد كل هذه الخطوات على الوزير أن يتأكد أن استمراره في الوزارة بات محسوما ومؤكدا فعدد الفيديوهات التي يمتلكها لجولاته الميدانية يفوق عدد حفلات عمرو دياب.
أما ما قدمة الوزير على أرض الواقع فلا يهم، وما خبرة الوزير فليس من حق أحد أن يعرف؟ وما قدرة الوزير على التعامل مع أزمات وزارته فهذه فذلكة كدابة لسنا بحاجة إليها، نحن بحاجة لوزراء يجيدون التعامل مع الكاميرات وكيفية معرفة أنواع الفلاشات والقدرة على نجاح الجولات كما أوصى بذلك رئيس مجلس الوزراء.
essamrady77@yahoo.com