داعش يعيد رسم مستقبل نفط العراق.. التنظيم الإرهابي يسيطر على حقلين ينتجان 50 ألف برميل يوميا.. يستهدف معاقل النفط في الجنوب بالسيارات المفخخة.. والانفلات الأمني يهدد عمليات التنقيب
أفاد تقرير صادر عن المركز الإقليمي للدراسات، اليوم الخميس، أن هجمات تنظيم داعش، والصراع المسلح في العراق، ستعيد رسم مستقبل النفط هناك، رغم تقلص حدة المخاوف حول التأثیر الوقتي للأزمة العراقية، على أسعار النفط العالمیة.
ووصلت أسعار النفط جراء الأحداث الأخیرة إلى أعلى مستویاتها خلال 9 أشهر، بواقع 115 دولارًا للبرمیل في منتصف یونیو 2014، إلا أنه لا یزال هناك الكثیر من الجدل حول تأثیر تبعات التطورات القادمة على مستقبل قطاع النفط العراقي، ومن ثم على أوضاع سوق النفط العالمي.
قنوات متشابكة
وبحسب التقرير، فإن وكالة الطاقة الدولیة توقعت عام 2012 أن يغطي العراق نحو 45% من النمو في إمدادات النفط العالمیة، بداية من 2012، حیث بنت الوكالة توقعاتها على أساس قیام العراق بمضاعفة إنتاجها من النفط إلى أكثر من 6 ملایین برمیل یومیًا في السنوات الخمس المقبلة، من واقع إنتاج لم یتعد 3.3 ملایین برمیل یومیًا آنذاك، وبما یجعل العراق رابع أكبر منتج للنفط في العالم بعد روسیا والسعودیة والولایات المتحدة.
لكن الصراع الدائر بین الحكومة المركزیة وقوات "داعش" سيؤثر، بحسب التقرير، على تعطیل إنتاج النفط في وسط وشمال وغرب العراق بشكل محدود في الوقت الراھن، بسبب إنتاج ما یقرب من 85% من نفط العراق، في أقصى جنوب البلاد، بعیدًا عن الخطوط الأمامیة للمواجهة المسلحة بین الطرفین.
ويسيطر "داعش" حالیًا على ربع مساحة العراق تقریبًا، لكن هذه الأراضي لا تضم أي حقول كبیرة لإنتاج النفط، باستثناء حقلي "عجیل" و"حمرین"، صغیري الحجم اللذین لا تتعدى احتیاطیاتهما معا 2 ملیار برمیل، بواقع إنتاج یناهز 50 ألف برمیل في الیوم، وبنسبة لا تتعدى 2% من إنتاج العراق الكلي من النفط.
في المقابل، تزداد حدة التخوفات من التأثیرات المحتملة لتبعات التطورات المقبلة، على البنیة التحتیة لقطاع النفط في الجنوب، على المدى البعید.
هجمات مرتدة
وقال التقرير إنه رغم ضعف قدرات الجماعات الجهادیة، ومن بینها "داعش"، على الوصول إلى معاقل النفط في الجنوب، فإنها قد تقوم بعملیات استهداف عن بعد - باستخدام السیارات المفخخة على سبیل المثال - للمنشآت النفطیة الحیویة، بهدف إنهاك قوة الحكومة المالیة، والتي تعتمد بشكل تام على عوائد تصدیر النفط، ولعل ھذا ما یفسر استماتة قوات "داعش" من أجل السیطرة على مصفاة "بیجي" بشمال تكریت، والتي تنتج وحدھا قرابة ثلث المشتقات النفطیة بالعراق، حتى تمكنت من السیطرة الكاملة على مجمع المصفاة في نهایة یونیو الماضي.
وذكر التقرير أن إمكانیة توظیف الحركات الجهادیة للقوة المباشرة، جنوب بغداد، تبدو محدودة في الفترة المقبلة، في ظل انشغال عناصرھا في صد الهجمات المرتدة للحكومة المركزیة.
لكن حالة عدم الاستقرار الأمني المزمنة - رغم بعد معظم المنشآت النفطیة عن خطر الهجمات - تمثل تهدیدًا مباشرًا لاستمرار عمَلیات البحث والتنقیب للعدید من شركات النفط العاملة بالعراق، الأمر الذي قد یؤدي إلى إحجام شركات النفط عن ضخ المزید من الاستثمارات لتطویر القدرة الإنتاجیة لقطاع النفط، وقد تكون تجربة فشل مساعي محافظ نینوى لتطویر حقول محافظته بشكل مستقل عن الحكومة الاتحادیة، عینة ممثلة لهذا النفور المتنامي.
وتؤدي الهجمات المتتالیة على البنیة الأساسیة لسلسلة إمدادات النفط، إلى وقف أو خفض معدلات التصدیر، وهو ما حدث بالفعل عندما قلصت شركة نفط "الشمال" التي تدیر حقل كركوك، یونیو الماضي سقف الإنتاج لنحو 30 ألف برمیل یومیًا، بعدما كانت تنتج 650 ألف برمیل، وبما یمثل قرابة خمس إنتاج العراق، وذلك قبل إغلاق خط الأنابیب المتجه من كركوك العراق إلى جیهان تركیا، بعد سیطرة "داعش" على جزء منه.
النفط في المستقبل
وإزاء اشتعال الصراع الحالي، فإن احتمالات ثلاثة ستحدد مصير نفط العراق، بحسب سيناريوهات الصراع، وأول هذه الاحتمالات هو "سیناریو التفكك الكامل"، ویقوم على مزیج من الاحتمالات القاتمة، والتي یفضي أغلبها إلى انهیار مؤسسات الدولة، إثر فشل الطبقة السیاسیة في التوصل إلى مخرج، بالتوازي مع عجز الجیش العراقي عن استعادة السیطرة في مناطق الصراع، وبما یعرض البلاد لمخاطر التقسیم الفعلي، إلى منطقة شیعیة في بغداد والجنوب، ومنطقة كردیة تحارب لأجل الاستقلال الكامل، ومنطقة سنیة تتنافس الجماعات الجهادیة للسیطرة على مواردھا، مع عدم تمتع أي من هذه الأجزاء الهشة بسلطات فعلیة محددة، في ظل دخول العدید من الجهات الخارجیة إلى ساحة المعركة بصورة مباشرة.
وفي ھذا السیاق، قد تستطیع حكومة إقلیم كردستان الاستمرار في إنتاج وتصدیر النفط، وبما یعوض جزئیًا توقف إنتاج باقي المناطق المتضررة، مع استمرار محاولة الحكومة المركزیة في الحفاظ على إنتاج النفط في الجنوب، في ظل انسحاب كثیر من شركات النفط الدولیة من العمل بالعراق.
أما في حالة استمرار الوضع الراھن، مع تصاعد حدة الصراع المسلح بین الفصائل العراقیة، فتدفع ھذه الظروف في اتجاه تشكیل حكومة ائتلافیة جدیدة، تعمل على مواصلة جهود زیادة إنتاج النفط، رغم توقع توظیف ھذه الحكومة لجانب كبیر من عوائد بیع النفط لإعادة بناء قواتها العسكریة، دون تخصیص قدر كاف من الموارد لتنفیذ المشاریع الرأسمالیة في قطاع الطاقة، خاصة فیما یتعلق بالبنیة التحتیة اللازمة لتصدیر نفط الجنوب، والذي یتم شحن معظم صادراتها من محطات في الخلیج العربي، بعد وقف خط الأنابیب الشمالي منذ مارس بسبب هجمات المتمردین، الأمر الذي یضع قیودًا على استمرار صادرات النفط العراقي.
وقال التقرير إنه في حالة نجاح سيناريو إعادة البناء، ونجاح الأطراف السياسية في إيجاد طريقة لتقاسم وممارسة السلطة في العراق، فسينعكس ذلك في النهاية على توسع قطاع النفط بالعراق، وتطوره.