حتى لا تحرقنا النيران
بينما كانت وكالات الأنباء العالمية وجميع قنوات التلفاز تنقل خبر اختطاف "بوكوحرام" لأكثر من مائتى تلميذة في ولاية بورنو الواقعة شمال شرق نيجيريا.. كان "مايكل موريل" الرجل الثانى بالمخابرات المركزية الأمريكية "سى آى إي" الذي تقاعد العام السابق، يرسم بالمعلومات الدقيقة خريطة المساحات التي وضع تنظيم القاعدة يده عليها على الأقل فكريًا، خلال العشر سنوات الأخيرة، بمناطق واسعة من شمال نيجيريا وكل أنحاء شمال أفريقيا والصومال وكينيا.
كان موريل يدلى بالمعلومات التفصيلية والمهمة خلال محاضرة له عن الإرهاب العالمى، أمام منتدى نظمه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بواشنطن أواخر أبريل الماضى.. اللافت للانتباه أن المنتدى بدا كأنه منضبط على حادث اختطاف الفتيات.. الأحداث إذن في طريقها للاشتعال.. ليس في نيجيريا وحدها، وإنما في النصف العلوى من القارة السمراء.
ما يحدث يدفعنا إلى طرح سؤال يتجاهله الجميع.. أو ربما يتعامون عنه.. ما الذي يدفع الجماعات مهما بلغ تطرفها الفكرى إلى حمل السلاح؟ أطرح السؤال لأننا على بعد سنتيمترات من "محرقة" سوف تجتاح مناطق عديدة بالقارة السمراء وبالتحديد شمال أفريقيا.
ربما نجد الجواب في تجربة "بوكوحرام" بنيجيريا، حيث نلمس بسهولة أن المواجهات الخشنة لو تخطت المساحات المقبولة، تسهم في انتقال الجماعات من الحالة الفكرية إلى السلاح مباشرة.
كانت البداية بظهور حركة "طالبان نيجيرى" منذ 11 عامًا بمناطق شديدة الفقر.. وبحسب المراقبين، لم تفكر السلطات وقتها في معالجة أسباب الظهور والشروع في تحسين أحوال قاطنى تلك المناطق، ثم مواجهة الفكر بالفكر، بل كان التعامل الأمني المفرط في العنف ضد القادة والأعضاء والنساء هو سيد الموقف.. ونتيجة لذلك تحولت الحركة إلى"جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد "فتلازمت مفردة "الجهاد" مع الدعوة، مما يعنى صعود فكرة رد العنف بالعنف.
أما "بوكو حرام" فتعنى رفض التعليم الغربى، وهو أحد أهداف الجماعة بلغة قبائل الهاوسا، لكن جرى التسويق لهذا العنوان الإعلامي للجماعة ربما لتأليب المجتمع الغربى والدولى عليها، بالتزامن مع مخطط استدراج الجماعة إلى العنف، سيما بعد أن صعدت السلطات من قسوة المواجهة واعتقلت زعيمها محمد يوسف وقتلته عام 2009 وأعْلَنَت نهاية الجماعة إلى الأبد.
ثم دخلت السلطات في حالة استرخاء، بينما كانت الجماعة تعيد ترتيب وترميم صفوفها، لتعود أكثر شراسة.. النتيجة أن مرحلة جديدة من المواجهة سوف تبدأ بدخول أطراف دولية، ولن تقتصر الحرائق على نيجيريا، بل ستنقلها رياح الجنوب نحو الشمال الأفريقى بأكمله.. فهل يمتلك الجميع الشجاعة لتغيير تكتيك المواجهة الخشنة إلى المواجهة الحضارية الناعمة والأقل كُلْفَة في خسائرها والأكثر ربحًا في المستقبل؟