رئيس التحرير
عصام كامل

المريض فى غرفة الإنعاش


ليس هناك أدنى شك أن الأزمة الاقتصادية التى تعيشها مصر فى الفترة الحالية، تمثل أبرز المشكلات والتحديات التى نواجهها.. رغم ذلك لست مع القائلين بأننا مقبلون على ثورة جياع.. فالأوضاع الداخلية والإقليمية والدولية لا تصب فى هذا الاتجاه.. فى ظنى، لن تكون هناك استثمارات أو قروض أو منح بالقدر الذى يؤدى الى سد حاجات المجتمع وعلاج مشكلاته واستعادته لعافيته وقوته.. ولا بالقدر الذى يجعل مصر قادرة على أن تمارس دورها المأمول على المستوى الإقليمى والدولى..

فأنظمة الحكم العربية، ليس من مصلحتها نجاح الثورة المصرية أو التجربة الديمقراطية.. كما أنه ليس من مصلحة الإدارة الأمريكية والكيان الصهيونى ذلك.. مصلحة هؤلاء جميعا أن يكون النظام فى مصر كما المريض فى غرفة الإنعاش، لا هو تعافى وأصبح قويا ونشيطا وقادرا على أداء مهامه، ولا هو أسلم الروح وتم تكفينه ودفنه فى أقرب مقبرة.. الإدارة الأمريكية هى المايسترو.. ضابط الإيقاع الذى يقوم بتوزيع الأدوار.. الاستثمارات والقروض والمنح سوف تكون محدودة وفى الإطار الضيق.. قطر تعطى لكن بحساب.. الكويت تقدم رجلا وتؤخر أخرى.. العلاقات مع الإمارات ليست على ما يرام.. السعودية لها تقديرها ونظرتها، وهكذا.. رأينا جون ماكين يأتى على رأس وفد أمريكى إلى القاهرة لمقابلة الدكتور مرسى، وتثار معه تسجيلات سابقة - قبل أن يكون رئيساً - بشأن أحفاد القردة والخنازير، فيضطر الرجل إلى القول بأن الموضوع تم اجتزاؤه من سياقه (!!)..
هم بطبيعة الحال يعرفون الحقيقة جيدا، وهو ليس جديدا، وبالتالى ليس هناك مجال للهروب أو المراوغة.. لكنهم يوظفون هذه التسجيلات الآن وفى هذا التوقيت للضغط على الدكتور مرسى وابتزازه.. رأينا أوباما نفسه يوجه حديثه للدكتور مرسى بضرورة معالجة ما يجرى فى الشارع المصرى من انقسام واحتراب وعنف وقتل، وكان الرجل حريصاً على الديمقراطية واستقرار الأوضاع فى مصر.. والحاصل أن أوباما وإدارته يوظفان الأحداث لمصلحة المشروع الأمريكى..
المتغطى بالأمريكان عريان.. هذه حقيقة.. فهؤلاء لا عهد ولا مبدأ ولا التزام.. وما لم يكن هناك اعتماد على الذات للخروج من المأزق، فسوف نظل فيه إلى ما شاء الله، بل سوف ننتقل من سيئ إلى ما هو أسوأ منه.. لذا نقول:
إنه لا بديل عن التوافق مع المعارضة.. لا بديل عن إنهاء حالة الانقسام الحاد فى المجتمع المصرى، والذى أصاب الكثيرين بالإحباط واليأس وفقدان الأمل.. مهمة رئيس الدولة الأولى الآن هى استعادة الثقة مع أطراف الجماعة الوطنية.. إزالة الاحتقان الذى أحدثه "إعلانه الدستورى" المعيب.. ضرورة التوافق حول المواد المختلف عليها فى الدستور الذى قاطع الاستفتاء عليه ٦٨٪ ممن لهم حق التصويت.. إعداد قانون انتخابات لمجلس النواب القادم بشكل لا يؤدى إلى سيطرة جماعة أو حزب بعينه..
إنه لا بديل عن تحقيق العدالة الاجتماعية، أحد أبرز أهداف الثورة، وذلك بتحديد الحد الأدنى والحد الأقصى للدخول.. بتطبيق نظام ضريبة تصاعدى.. بوصول الدعم لمستحقيه الفعليين.. بوجود مظلة تأمين صحى للمواطنين.. بصرف إعانة بطالة.. دون ذلك لن تنعم مصر بالاستقرار.. سوف تظل فى غرفة الإنعاش..
الجريدة الرسمية