رئيس التحرير
عصام كامل

الإرهاب يدفع العرب لإستراتيجية "التدخل الحميد" في شئون الجوار.. السعودية تنشر 21 ألف جندى على الحدود مع العراق بعد استيلاء "داعش" على "الأنبار".. تونس تعلن عن إجراء تمشيط حدودى مشترك مع الجزائر

مقاتلين بالدولة الإسلامية
مقاتلين بالدولة الإسلامية في العراق والشام

قال تقرير صادر عن المركز الإقليمي للدراسات بالقاهرة، إن التهديدات الإرهابية دفعت العرب لإستراتيجية "التدخل الحميد" في شئون الجوار، لدرء المخاطر، دون الاكتفاء بالتأمين التقليدي للحدود".


وأضاف التقرير أن تأمين الحدود بشكل مباشر مع دول الجوار لم يعد كافيا في ظل تماهي الحدود الفاصلة بين الدول، واستعصاء التدفقات العابرة للحدود على السيطرة الأمنية، تحت وطأة طفرة غير مسبوقة في نشاط التنظيمات الإرهابية ذات الامتداد الإقليمي المتشابك، وسعى بعض الأقطاب الإقليمية لاختراق دول الجوار.

خريطة التهديدات
وبحسب التقرير، فإن حدود الدول العربية شهدت تصاعدا غير مسبوق في كثافة التهديدات الأمنية العابرة للحدود، حيث توازى مع سيطرة "داعش" على مناطق الموصل ونينوى وصلاح الدين والفلوجة، قبيل نهاية يونيو 2014، إحكام نفوذه على المعابر الحدودية مع الأردن وسوريا والسعودية، خاصة معابر طربيل والوليد في محافظة الأنبار، ومعبر القائم على الحدود السورية- العراقية، مما يسهل انتقال عناصره عبر الحدود، ويزيد من حدة تهديدهم لأمن دول الجوار.

وبالتوازي تصاعدت وتيرة التهديدات على طول الحدود المشتركة بين الأردن والعراق، في ظل سيطرة "جبهة النصرة" المتحالفة مع تنظيم "القاعدة" على قطاعات واسعة من المناطق الحدودية المشتركة مع سوريا، وهو ما يرتبط بخروج مسيرات تؤيد تنظيم "داعش" في محافظة معان الحدودية الأردنية يونيو الجاري، والتي تعد معقلا لأنصار التيارات السلفية الجهادية، وفي ظل انتشار ما لا يقل عن 10 ملايين قطعة سلاح في الأردن تم تهريبها عبر الحدود مع سوريا والعراق، وفق تصريحات رئيس الوزراء الأردني الأسبق أحمد عبيدات في منتصف مارس الماضي.

والأمر ذاته ينطبق على الحدود المشتركة بين العراق والسعودية التي تمتد مسافة 110 كم، خاصة بعد سيطرة تنظيم "داعش" على مناطق واسعة من محافظة الأنبار الممتدة بمحاذاة هذه الحدود.

على مستوى آخر، شهدت الحدود السعودية-اليمنية، في 2 يوليو الماضي، هجوما مسلحا شنته عناصر تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" على دورية أمنية سعودية قرب منفذ الوديعة الحدودي مع اليمن، ما أسفر عن مقتل عنصرين أمنيين، وثلاثة من العناصر الإرهابية عقب تحصنهم بإحدى المنشآت الأمنية في محافظة شرورة الحدودية، وهو ما يرتبط بآثار احتدام المواجهات العسكرية بين الجيش اليمني والحوثيين على حدود محافظة عمران القريبة من الحدود المشتركة بين اليمن والسعودية التي تمتد لمسافة
1180 كم.

في السياق ذاته، شهدت تونس، في 2 يوليو تموز الماضي، مقتل جنديين تونسيين في انفجار لغم دورية عسكرية في ولاية الكاف الحدودية مع الجزائر أثناء اشتراكهم في عملية لتدمير مخابئ تنظيم "أنصار الشريعة" في محيط منطقة جبل الشعانبي التي تم اعتبارها منطقة عسكرية مغلقة منذ أبريل نيسان الماضي، وتواكب ذلك مع إعلان وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، قبيل نهاية يونيو، عن وجود ما لا يقل عن
 1142تونسيا يقاتلون في سوريا إلى جانب التنظيمات الجهادية، بما يشكل تهديدا لأمن واستقرار الدولة عقب عودتهم إلى تونس.

ويرتبط ذلك بما كشف عنه تقرير معهد "أمريكان إنتربرايز" American Enterprise Institute المعني بدراسات الإرهاب، من أن تنظيمات إرهابية مثل "حركة المرابطون" وتنظيم "الموقعون بالدم" بقيادة مختار بلمختار و"حركة التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا و"تنظيم أنصار الدين" الذي ينشط على الحدود، تتخذ من المثلث الحدودي بين الجزائر وجنوب غرب ليبيا والنيجر منطلقا لعملياتها في القارة الأفريقية، بينما ينتشر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بقيادة عبد المالك دروكدال على الحدود بين الجزائر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.

وبحسب تقارير وزارة الدفاع الجزايئرية، قبيل نهاية يونيو، أن مختار بلمختار قائد تنظيم "الموقعون بالدماء" (المسئول عن عملية اختطاف الرهائن في منشأة عين أميناس النفطية مطلع العام الحالي) لا يزال ينشط في جنوب غرب ليبيا، وهو ما يستدل عليه بالعملية الإرهابية التي أدت إلى مقتل 2 وإصابة 1 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في شمال مالي قبيل منتصف يونيو الفائت.

ولا ينفصل هذا الصعود في نشاط التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود عما أكده مسئولون أمنيون في الجزائر، في مطلع يوليو الجاري، من رصد محاولات لتنظيم "داعش" للتمدد إلى ليبيا بهدف تأسيس فرع للتنظيم في شمال إفريقيا استغلالا لانهيار بنية الدولة، وانتشار التنظيمات المتطرفة فيها، خاصة عقب إعلان تأسيس دولة الخلافة تحت قيادة أبو بكر البغدادي.

أنماط التدخل
أدى تصاعد وتيرة التهديدات الحدودية إلى دفع دول الإقليم للانخراط في الشئون الداخلية لدول الجوار بهدف احتواء التهديدات الانسيابية النابعة من عدم الاستقرار والصراعات الأهلية، وانهيار بنية تلك الدول، بيد أن هدف تلك التدخلات يتمثل في دعم قدرة تلك الدول على التصدي للتهديدات الأمنية، واستباق التهديدات عبر خلق هامش حدودي آمن نسبيًا يمتد إلى داخل حدود دول الجوار، واتخذت التدخلات أنماطًا متعددة، منها "تدعيم أمن الحدود" فنشرت السعودية نحو 21 ألف جندي على الحدود المشتركة مع العراق، عقب انسحاب القوات العراقية من النطاقات المتاخمة للحدود بين الدولتين، وسيطرة "داعش" على محافظة الأنبار، بهدف التصدي لتمدد الأخير عبر الحدود، وهو ما ينطبق أيضًا على الأردن التي أرسلت تعزيزات عسكرية على الحدود مع العراق تشمل دبابات وراجمات صواريخ ووحدات لمكافحة الإرهاب.

ومن بين أنماط "التدخل الحميد" أيضًا استهداف التنظيمات الإرهابية فكشفت صحيفة "هفنجتون بوست" الأمريكية، في 8 يوليو (تموز) الحالي، عن اأن القوات الجزائرية تقود عملية عسكرية على الحدود تمتد إلى غرب ليبيا منذ بداية مايو الماضي، بهدف القضاء على تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" بالتعاون مع الولايات المتحدة وفرنسا وتشاد، بالتوازي مع عملية "الكرامة" التي يقودها الجيش الوطني الليبي، وعلى الرغم من النفي الرسمي الجزائري، إلا أن مؤشرات أخرى كشفت عن وجود تنسيق عسكري، خاصة عقب إعلان الولايات المتحدة، في يونيو حزيران الفائت، عن القبض على أحمد أبو ختالة القيادي بتنظيم "أنصار الشريعة" الليبي المسئول عن الهجوم على القنصلية الأمريكية في بني غازي.

وهو ما تواكب مع إعلان وزير الدفاع التونسي غازي الجريبي، عن تنفيذ عملية تمشيط واسعة للنطاق الحدودي مع الجزائر بهدف تأمين الحدود المشتركة عقب قتل خلية إرهابية حاولت التسلل عبر الحدود قبيل نهاية يونيو الفايئت.

وقال التقرير إن إستراتيجية التدخل الحميد اشتملت أيضا على " تفكيك خلايا الاستقطاب" فتسعى دول الإقليم إلى إنهاء انتقال المقاتلين عبر الحدود إلى بؤر الصراعات الأهلية في سوريا واليمن والعراق نتيجة التهديدات الأمنية التي تصاحب عودتهم إلى دولهم، ومن ثم أعلنت القوات الأمنية المغربية تفكيك خلية لتجنيد المقاتلين بسوريا في يونيو الماضي، بينما كشف وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، قبيل نهاية يونيو الفائت، عن منع تدفق نحو 1188 من الجهاديين التونسيين لسوريا.

في المقابل، لجأت المملكة العربية السعودية والكويت إلى إصدار قانون لمكافحة الإرهاب، حيث استعانت الأولى بحملات توعية للقيادات الدينية لحض الشباب على الامتناع عن التدفق على بؤر تمركز التنظيمات الإرهابية في سوريا واليمن والعراق.

وتشهد دول الإقليم نموا في جهود التنسيق الأمني لمكافحة الإرهاب العابر للحدود، وتحقيق الاستقرار في دول باتت تمثل بؤرًا للاحتقان الإقليمي، ويدخل في هذا الإطار زيارة الرييس المصري عبدالفتاح السيسي للجزائر، يونيو حزيران الماضي للتنسيق الأمني للحيلولة دون خطر التهديدات الإرهابية في ليبيا.

وفي السياق ذاته تقدمت دول عديدة بوساطات لإنهاء الصراعات السياسية ومنها الوساطة الجزائرية بين الحكومة المالية و"حركة تحرير أزواد" في شمال مالي والتي أثمرت عن بدء المفاوضات بين الطرفين، قبيل نهاية يونيو الفائت، بمشاركة مختلف الفصائل السياسية، والوساطة التونسية بين الفصائل السياسية المتناحرة في ليبيا وممثلي القبائل، وهو ما ينطبق أيضًا على محاولات التوفيق السعودية بين الفرقاء السياسيين في لبنان.
الجريدة الرسمية