حرب الملوخية!
حملت المصحف الصغير، ومعه سلسلة مفاتيحي التي حرصت على أن تتضمن ميدالية فضة تحمل آية قرآنية، وغادرت منزلى متوجهًا لصلاة الفجر، وفيما أنا مُقدم على كمين نصبه بعض الشباب المُلتحى، حرصت على أن يعلو صوتى وأنا أقول: اللهم انصر الإسلام، اللهم عليك بالانقلابيين أعداءك أعداء الدين، ونظر لى أحدهم متفحصًا، قبل أن يُخفض مدفعه الرشاش الذي شهره في وجهى، ويومئ لى برأسه علشان أعدى!
بعدها بشارعين، داريت المُصحف في جيبى، وانتزعت الميدالية الفضة إياها، وقمت بتشغيل أغنية من بتوع عبدة الشيطان على هاتفى المحمول بصوت عال، وأنا اقترب من كمين آخر، نصبه شباب يرتدى الجينز المقطَّع ويحمل بعضهم زجاجات الخمر ولفافات البانجو، فيما شهروا جميعًا رشاشاتهم في وجهى أيضًا، وسألنى أحدهم بلهجة روتينية: رايح فين؟ أجبته بتلقائية شديدة: رايح بيت الدعارة اللى في الشارع الجاى، فسمحوا لى بالمرور، بعد أن منحنى أحدهم قرصًا أزرقًا بلا مقابل!
الحرب الأهلية بهدلت مصر الصراحة، وقد أعلنت كتائب بيت المقدس الموقَّرة سيطرتها التامة على طنطا وبركة السبع وفرضت الشريعة الإسلامية فيهما، وقررت إعادة بناء الجوامع التي هُدمت بعد ثورة يونيو، وتم الاعتراف بشهر رمضان هناك كشهر رسمى للصيام والقيام والأعمال الصالحة، فيما تمكنت الميليشيات الانقلابية المؤيدة للكُفر من تحرير نصف القاهرة ورُبع الجيزة، وتدور معركة طاحنة حاليًا على شارع الهرم!
الغريب أن كُل هذا يحدُث في بلدنا دون أن يذكره الإعلام، أو تتحدث عنه الحكومة أو تعره اهتمامًا، حتى رئيس الجمهورية من الواضح أنه يجهل هذا الأمر، خاصةً وقد أرسل وزير خارجيته للعراق، للبحث عن سبل للتهدئة هناك، الوحيد في مصر الذي يعلم بوجود هذه الحرب، هو الأستاذ (فهمى هويدى)، والذي كشف عنه أخيرًا في مقاله اليوم بالزميلة الشروق، وكُنت قد أرسلت مقالى لعزيزتنا "فيتو" بالفعل متضمنًا أمرًا آخر تمامًا، قبل أن أقرأ مقال (فهمى) (مَن العبقرى الذي قال إنه لا يشترط أبدًا أن يحمل المرء نصيبًا من اسمه) فوجدت نفسى مرغمًا على توثيق كلامه والتصديق عليه وإعلان تجربتى في هذا الصدد مع الحرب الأهلية!
الحاج (فهمى) طبعًا حاج، مش هو كاتب إخوانى؟ والإخوان وحبايبهم هم فقط الذين يقبل الله حجهم وصلاتهم وصيامهم، كتب مقالًا يُهاجم فيه محاولة مصر تهدئة الأمور في العراق، وهو حق أصيل له، حسب وجهة نظره السياسية لو كان عنده طبعًا نظر لأن من المعروف إن عنده وجهة ده شىء أكيد، لكنه قال إن مصر كان عليها تهدئة الأمور بداخلها أولًا، طيب ليه بتصرخوا علشان نحارب إسرائيل من أجل غزة مادمتم تؤمنون أن اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع؟ طبعًا كُلَّها مُزايدات رخيصة معروفة عن الإخوان وحلفائهم وصبيانهم في الصُحُف من العيِّنة الحاضرة، المُهم إن الحاج (فهمى) لم يكتف بإن مصر محتاجة التهدئة بداخلها، لكنه أكد أن البلد بتشهد حربا أهلية من عام وعدة أيام، يعنى بالبلدى من أيام قلع (مرسي) والجماعة!
أثناء صلاة الفجر، دخل علينا جماعة من الانقلابيين اللى حكيت لكم عليهم في الكمين الثانى، لم يقتلونا رميًا بالرصاص كما توقَّعت، واضح إنهم ناصحين ومش عاوزينا ننول الشهادة، فقط أجبرونا جميعًا على شرب الخمر، علشان يضربوا عصفورين بحجر، يضيعوا علينا صيام اليوم، وكمان نرتكب معصية شرب الخمرة، ومال نحوى الشخص إياه اللى منحنى القرص الأزرق من شوية وهو يناولنى الإزازة قائلًا بخشونة: بتضحك علينا وتقول رايح بيت دعارة؟ غمزت له وأنا أواصل هوايتى في اللعب على الجنبين: يا عم حُط حتة تلج متبقاش بخيل، أنا اتصلت بمديرة البيت وقالت لى إن العملية الليلة دى كومبليت، ما إنت فاهم الإقبال على الكلام ده في بلدنا كاسح، خصوصًا في الأيام دى!
طيب الحاج (فهمى) شايف إيه الحل علشان نوقف الحرب الأهلية الطاحنة دى؟ خصوصًا إنه بيوجِه النصيحة بإنهاء هذه الحرب أولًا، وبيقول إن مصر بيتها من زجاج، وبناءً على ذلك فمن الواضح إن حضرته كده لما بيحب يغيَّر هدومه بيروح قطر يقلع هناك ويلبس بالراحة وبالهداوة!
هل الحل في إيقاف الحرب الأهلية التي يراها (هويدى) في أننا نلزق فيميه على الزجاج، واللا نلزق عليه ورق حائط؟ طيب مفيش برنامج اقتصادى طموح يخلينا نقدر نركِّب على البلد ستاير سيدار؟ متهيألى ده كان ممكن لو كان الكذاب المقلوع وجماعته صَدَقوا في وعودهم الانتخابية وجابولنا الـ200 مليار وعملوا بيهم مشروع النهضة اللى ضحكوا علينا بيه، مش يفشلوا وكمان يلبسونا حربا أهلية عن طريق بعض العقول الملوخية بالأوَنطة!
على باب شارعنا استوقفنى الكمين بتاع الجماعة المُلتحين إياهم، وسألنى أحدهم: صليت؟ ضحكت وقولت له: أيوا طبعًا، ودعيت للرئيس الشرعى ربنا يفك أسره، وينتقم من الانقلابيين، وينهى الحرب لصالحنا نحن الإسلاميين المسلمين الشرعيين الوحيدين مش الكخة التانيين، شعُرت أن كلامى أعجبه، فقررت أن أُضاعف من تملقى، وأعلن عن ولائى، فقُلت له: شوفت الكُفار عملوا فينا إيه وإحنا بنصلى؟ وحكيت له عن الخمرة والبانجو، فبرقت عيناه، واشتعل الشرر فيهما، وهو يهم مع زملائه بالتوجه سريعًا لميدان المعركة، وسألته بخبث: هاتقتلوهم واللا هاتدبحوهم واللا هاتدفنوهم أحياء؟ أجابنى بصوت هادر: كلا.. سننتقم منهم بطريقة أكثر بشاعة.. ثم قام بالتفسير والشرّ يتطاير من عينيه أكثر: سنجبرهم على قراءة مقال لـ(فهمى هويدى)!