"حرامية" الأراضي قبل سولار الغلابة
كنت أتخيل أن أول قرار سيتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد توليه الرئاسة، إعادة تقييم أملاك مافيا تسقيع الأراضي، خاصة من اشتروا الفدان بما لا يزيد على 150 جنيها، ويبيعون المتر حاليا بمبالغ تتراوح بين 3 و7 آلاف جنيه.
هناك مصريون ممن يطلق عليهم حاليا لقب "رجل أعمال"، أسسوا جمعيات زراعية، وحصلوا بموجبها على أراض في الحزام الأخضر للقاهرة، في الشيخ زايد و6 أكتوبر، وطريق مصر - الإسماعيلية الصحراوي، وطريق مصر ـ الإسكندرية الصحراوي، والقاهرة الجديدة، وغيرها من مدن وأحياء مصر، ثم تركوها للتسقيع بغرض بيعها كمنتجعات سكنية.
هؤلاء تحولوا خلال عشرة أعوام عادية من عمر مصر، لأصحاب رساميل تقدر بالمليارات، وهم عاديون جدا، عديمو المواهب، لكنهم تدربوا في أعتى مدارس الإجرام السياسي في عهد لم يكن عهد حسني مبارك، بل كان عهد جمال مبارك وأمه سوزان ثابت، وسدنة الإفك والضلال: صفوت الشريف وكمال الشاذلي، وأحمد عز.
كنت أتوقع أن يفتح السيسي باب المزايدة العلنية لهؤلاء، وأن يريهم العين الحمراء، كي يعيدوا ما لا يقل عن 500 مليار جنيه كجزء مما سلبوه من لحم الوطن، بدلا من أن يدعوهم للتبرع فيلقوا بفتاتهم إلى صاحبة الحق، وبدلا من أن يخصم من دعم السولار ما لا يقل عن 9 مليارات جنيه، حيث تستهلك مصر نحو 13 مليون طن سولار سنويا، وبلغت الزيادة فوق سعره 0.7 جنيه للتر.
ولأن السولار محرك عجلة الإنتاج، وتسقيع الأراضي يمثل الاقتصاد الريعي غير الحقيقي، فكان من الأولى ترك العجلة لدورانها الطبيعي دون "فرملة" مفاجئة تخل توازنها، والضغط على الاقتصاد الريعي حتى يضخ حمله الحرام في عصب الدولة، وفي ذلك عدل يتوخاه المواطن من الرئيس والحكومة.
نعم أقر رفع الدعم عن البنزين 95، لأن السيارة التي تستهلك البنزين 95 حاليا، لا يقل سعرها عن مليون جنيه، ومن يهون عليه مبلغ المليون جنيه لشراء سيارة، من المؤكد أنه يملك مشاريع بعشرة أضعاف هذا المبلغ، وسيولة لا تقل عن خمسة أضعافه.
وأقر برفع جزء من الدعم عن البنزين 92، وكنت أتوقع أن يصل سعره إلى ثلاثة جنيهات، بدلا من السعر الجديد 260 قرشا، وكان من الأحرى بالحكومة أن توزع زيادة السولار بنسبة 1 إلى 3 على البنزين 92 و95، وكان ذلك سيوفر مبلغا كبيرا للموازنة العامة للدولة، حيث إن استهلاك مصر من البنزين يفوق خمسة ملايين طن سنويا.
هالتني الإحصائيات الواردة من حزب مصر الخضراء، ورئيسه محمد برغش الملقب بـ "الفلاح الفصيح"، حيث أكد بحسبة عادية، أن الفلاح الذي سيزرع القمح العام المقبل، سيخسر نحو ألفي جنيه للفدان، فيما لو لم تتدخل الحكومة لرفع سعر أردب القمح، إلى ما فوق الـ 500 جنيه.
ارتفاع السولار بنسبة 63.6 %، أدى بالفعل إلى رفع كل أسباب المعيشة أمام المواطن، على الرغم من الحملات اليومية والساعاتية على أصحاب الأسواق والمحال التجارية، كما سيضغط أصحاب مصانع الأسمدة الأزوتية لرفع أسعارها بسبب ارتفاع أسعار الغاز الموجه للمصانع، وبالتالي ترتفع فاتورة مستلزمات الإنتاج الزراعي.
هذه النقطة تحديدا، تدفع وزارتي الزراعة والتضامن لتدبير خطط من شأنها إعانة المزارع، إما بإرشاده وتدريبه على رفع الإنتاجية المحصولية من أرضه، أو ترتيب برامج للزراعة التعاقدية التي تضمن له الربحية، بدلا من هجر الزراعة والأرض والاتجاه لأشغال أخرى.
الرسالة واضحة لمن يهمه أمر مصر: مزيدا من الضغط على من نهبوها، وإعانة المزارعين الذين يأخذون الدنيا غِلابا.