رئيس التحرير
عصام كامل

"داعش" في عيون سياسيي إسرائيل.. نتنياهو يستغل التنظيم لإقامة جدار عازل على الحدود مع سوريا.. ومخاوف من تقارب واشنطن مع طهران من أجل القضاء على الإرهاب في العراق

عناصر داعش - صورة
عناصر داعش - صورة أرشيفية

على الرغم من انشغال إسرائيل بحربها الحالية مع حركة "حماس" في غزة؛ فإن استعدادها المحتمل لإيقاف تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا "داعش" سيبقى قائمًا إذا ما تجاوزت خطوطًا معينة.


وتدرك إسرائيل من خلال تحليل الخطاب المعلن من جانب تنظيم داعش أنه لا يشكل خطرًا أمنيًّا مباشرًا عليها، حيث تعلن هذه الجماعة أن أولوياتها تنصب على مقاتلة الأنظمة العربية الحاكمة في المشرق والمغرب تحت اسم "حتمية مواجهة العدو القريب حتى لا ينكشف ظهر دولة الخلافة للعدو البعيد" وتعني به إسرائيل والغرب.

أضف إلى ذلك، أن داعش قد شكل بتحركاته قلقًا شديدًا لحزب الله وإيران بسبب العداء الشيعي-السني الذي يفوق عداء المتطرفين السنة لإسرائيل، وبالتالي فإن المخاطر الأمنية على إسرائيل من جهة داعش تبقى قليلة أو مؤجلة في الأمد المنظور، لاسيما في ظل إدراك إسرائيل أيضًا بوجود مبالغات كبيرة في قوة التنظيم العسكرية.

أما على المدى الطويل فيمكن أن يشكل داعش خطرًا، سواء عبر تمكنه من خلق مواقع ثابتة له في جوار إسرائيل الإقليمي، وبالتحديد في سوريا، أو من خلال زعزعة استقرار الأردن الذي تجمعه بإسرائيل أطول حدود مقارنة بجيرانها الآخرين.

وترى إسرائيل، وفق دراسة نشرها مركز القاهرة الإقليمى للدراسات الاستراتيجية، في تقدم داعش فوائد سياسية في الوقت الراهن؛ حيث يحاول نتنياهو استغلال هذا الوضع لتأكيد نظريته أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لا يشكل المصدر الأهم لزعزعة الاستقرار الإقليمي، وأن إسرائيل لا يمكنها المغامرة بعقد اتفاق سلام مع الفلسطينيين في ظل تقدم واشتداد قوة الحركات السلفية الجهادية.

وغداة إعلان داعش قيام الخلافة الإسلامية قال نتنياهو: "مرة تلو الأخرى يثبت أنه بعد انسحاب القوات الغربية لا يمكن الاعتماد على قوات عربية في كبح جماح الإسلاميين المتطرفين.. وهذا ما حدث في لبنان وغزة، وما يحدث في العراق الآن"، وتحدث نتنياهو عن الحاجة لإقامة جدار أمني على الحدود الشرقية لإسرائيل، قائلا إن "قوات الإسلام المتطرف تطرق بابنا في الشمال والجنوب، وأهم شيء في هذه المرحلة هو بناء الجدار في الشرق".

تداعيات إقليمية مقلقة

تخشى إسرائيل من أن يؤدي تقدم داعش، وتمكنها من السيطرة على مساحات واسعة من العراق وسوريا، إلى تقاربٍ محتمل بين واشنطن وطهران، فكل منهما يخشى على مصالحه، خاصةً مع إعلان داعش أن مواجهتها ستكون بالتوازي مع الشيعة المدعومين من إيران في سوريا ولبنان والعراق، ومع الولايات المتحدة التي تدعم النظم السنية العميلة لها في المنطقة، كما هددت باستهداف السفارات الأمريكية في العالم.

ويعتقد بعض المعلقين الإسرائيليين أن مواجهة واشنطن وطهران لنفس الخطر قد يزيد من تقاربهما الذي بدأ مع توقيع اتفاق جنيف بشأن المشروع النووي الإيراني، واستمرار المحادثات بين القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإيران لتوسيع نطاق هذا الاتفاق لفك العزلة السياسية من حول إيران، وترى إسرائيل في هذا التقارب ما من شأنه تحفيز إيران على السعي نحو عقد اتفاق نووي لا يؤدي إلى الحظر الكامل على عمليات التخصيب في مفاعلاتها.. على الجانب الآخر وفيما يتعلق بعلاقتها مع مصر، ربما لا ترى إسرائيل في الحديث غير المباشر للرئيس عبد الفتاح السيسي عن خطر داعش سوى مقدمة لطلب السماح بزيادة أعداد وقوة تسليح القوات المصرية التي تعمل حاليًّا في المنطقة "ج" في سيناء، وهي المنطقة المنزوعة السلاح، وفقًا لاتفاقية السلام بين البلدين والموقعة عام ١٩٧٩.

ومن المعروف أن هناك وزراء في الحكومة الأمنية (المصغرة) يرفضون استمرار القوات المصرية فترةً أطول في هذه المنطقة، ويحذرون من احتمالات استغلال مصر للأزمة الأمنية في سيناء لتعديل اتفاقية السلام.

المخاطر البعيدة المحتملة

ثمة تركيز من جانب إسرائيل على الخطر الذي تشكله داعش على استقرار الأردن، وقد أعلن وزير الخارجية أفيجيدور ليبرمان أن إسرائيل ستساهم في حفظ استقرار الأردن، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع دول المنطقة المعنية والولايات المتحدة وأوربا.

كما رأى الصحفي المتخصص في شئون الشرق الأوسط بصحيفة "يديعوت أحرونوت" بن درور يماني أن "ما حدث في العراق بحرب الخليج الثالثة" أن توسع داعش نحو الأردن قد أبرز لأول مرة مصلحة مشتركة تجمع بين "حزب الله" والأردن والعراق وإسرائيل، ألا وهي وقف تقدم "داعش".

غير أن الواقع أن إسرائيل تنظر إلى ما هو أبعد من الأردن، وهو مسألة الخطر الأمني عليها الذي تشكله التيارات السلفية الجهادية مثل "حزب التحرير الإسلامي" المحظور في معظم البلدان العربية باستثناء لبنان، والذي يحظى بتأييد قوي في الأردن وفي الضفة الغربية المحتلة، ويسعى هذا الحزب إلى إقامة الخلافة الإسلامية، وفقًا لبرنامجه منذ إعلانه عام ١٩٥٢.

وربما لا يتوقف الخطر على إعلان داعش الخلافة الإسلامية، واحتمال أن يقربها ذلك من التحالف مع حزب التحرير، بل أيضًا من احتمال تأثر الحركة الإسلامية في إسرائيل أو على الأقل جزء من قواعدها بخطاب داعش وحزب التحرير، بما ينقل داعش عمليًّا داخل الحدود الإسرائيلية، وليس على أطرافها.

على المدى المنظور لا تشكل القوة العسكرية لداعش -الضعيفة أصلا- خطرًا داهمًا على إسرائيل، ومقابل بعض الفوائد التي يمكن أن تجنيها حكومة نتنياهو في سبيلها لمواجهة الحملة الموجهة لعزلها دوليًّا بسبب تعطل التسوية مع الفلسطينيين، توجد ثمة خسائر بسبب احتمال تزايد التقارب بين إيران والولايات المتحدة، وما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تأثيرات على شكل الاتفاق النهائي بين طهران والغرب حول مشروعها النووي، كما يظهر احتمال تزايد مطالبة مصر بنشر مزيد من القوات في المنطقة "ج" وتحول بقائها من وضع مؤقت إلى وضع دائم بحجة مواجهة داعش والحركات المرتبطة بها من الجماعات السلفية الجهادية في سيناء.

أيضًا تخشى إسرائيل من أن يؤدي الاجتياح السريع من جانب داعش لأجزاء واسعة في العراق وسوريا إلى تأثر قواعد التنظيمات غير السلفية مثل حماس والحركة الإسلامية في إسرائيل (على الأخص جناح الشمال الذي يقوده رائد صلاح) بأفكار داعش، مما ينقل خطرها إلى داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية، وهو عبء أمني أخطر بكثير من عبء مواجهة الفوضى على الحدود.
الجريدة الرسمية