رئيس التحرير
عصام كامل

إعلانات طبقية


تحولت مصر في السنوات الأخيرة الماضية إلى دولة طبقية أو دولة على وجه التحديد من طبقتين.. وعدنا إلى مجتمع ما قبل الثورة.. مجتمع النصف في المئة من جديد.. مجتمع طبقى بكل ما في الكلمة من معنى.. طبقة الفقراء والمعدمين.. وطبقة الأغنياء المُترفين.. وما بينهما طبقة غائبة.. ليست هي بالطبقة الوسطى التي حافظت على تماسك مجتمع ما بعد الثورة وما قبل الانفتاح.. بل طبقة رمادية.. لا تنتمى لهذه الطبقة أو تلك ولكنها تعيش على تخوم وحواف الطبقتين.

قال جمال مبارك ذات يوم من أيام سلطته وتسلطه " إن سوء توزيع الثروة.. أفضل من عدالة توزيع الفقر".. رافضًا بهذا المبدأ فكرة العدالة الاجتماعية.. وواصفًا إياه بعدالة توزيع الفقر..ويبدو أن هذا المبدأ ما زال ساريًا ومُطبقًا رغم 25 يناير و30 يونيو.. ورغم دعوات الثورة  "عيش..حرية..عدالة اجتماعية..كرامة إنسانية".. يبدو أن دعوات الثورة مازالت مجرد شعارات مرفوعة لم تنزل إلى أرض الواقع بعد..

وخير دليل على ذلك ما نُشاهده من تناقض إعلانى صارخ خاصة في شهر رمضان.. إعلانات تدعو للتبرع للمرضى والمحتاجين.. إعلانات تقطر ألمًا وحسرة على الفقراء.. خاصة إعلانات الموت حيث مرضى السرطان صغارًا وكبارًا.. وإعلانات الجوع حيث أناس لا يجدون قوت يومهم وآخرون يربطون حجر على بطونهم وآخرون يأكلون من سلال القمامة.. وعلى الجانب الآخر..إعلانات الفيلات والشاليهات والشقق السكنية في التجمعات والقرى السياحية.. وحمامات السباحة وملاعب الجولف.. وغيرها من وسائل الترفيه الخرافية.. ما هذا التناقض الصارخ!

إعلانات تتحدث عن فقر مُدقع.. وأخرى تتحدث عن ثراء فاحش.. إعلانات تخاطب العواطف وتستدر التعاطف مع الفقراء.. وأخرى تخاطب "الجيوب" والفلوس وتستقطب الأغنياء..والحائر بين هذه وتلك هي تلك الطبقة الغائمة..الضبابية.. الطبقة "المسحورة"..إن جاز التعبير..كالطابق المسحور في بعض المبانى.. هذه الطبقة التي تنشد الفرار من الفقر وتتطلع للغنى..

هذا التناقض الفج بين إعلانات الطبقتين.. تناقض فاضح.. يكشف ويُعرى ويفضح ما وصل إليه المجتمع بعد سنوات طويلة من سياسة الانفتاح وما تلاها من سياسات اقتصادية انحازت للأغنياء على حساب كل أفراد المجتمع.. فقراء وغير فقراء.. تناقض يفضح الأفكار التي حكمت المجتمع منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى وحتى اليوم..

و الكارثة التي تدل على جهل وعدم وعى أن إعلانات التبرع والجوع تتبعها إعلانات الفيللا والشاليهات أو العكس..و كأنه استعداء الفقراء على الأغنياء هدف.. نعم هو غباء في ترتيب إذاعة الإعلانات من مسئولى المحطات المختلفة.. ولكنه غباء يقود إلى زرع الكراهية والبغضاء.. واستعداء وعداء بين من لا يملك ومن يملك..

أليس في هذه المحطات من رجل رشيد ليراعى هذا التناقض الفج.. أم أن المسألة مجرد سبوبة.. وبوابة مفتوحة لأى إعلان طالما سيدفع..إن هذه الإعلانات المتناقضة.. ليست سوى مرآة تعكس قمة التناقض الطبقى الذي نعيشه منذ فترة طويلة.. تناقض غير مأمون الجانب.. أو العواقب.. تناقض مُهلك والعياذ بالله. 
اللهم قد بلغت.. 
الجريدة الرسمية