رئيس التحرير
عصام كامل

حمير المرحلة


تتخذ القرار بأن تكون معارضا أبديا لكل حاكم، وبكل منصب يمكن أن يرتقي فيه ويتسلط على رقاب العباد هو الحل الأنجع لفكرة الدوام في الحياة برتابتها وما تفرضه من شروط ملل مزعجة غير قابلة للتطبيق باستثناء المماطلة والتسويف والهروب منها إلى حلول مؤقتة لا تغني لكنها تؤجل العذاب، فالمعارضة هي جزء من الحل في الحقيقة وليست الحل كله، وربما دفعت حياتك ثمنا لمعارضة غير مجدية مع نظام دكتاتوري لا يغنيك سوى الفرار منه في الأرض دون أن تهتدي إلى نهاية، أو قد تنجدك الصدفة وظروف وتقلبات الحياة والسياسة لتجد إن بمقدورك العودة ثانية إلى وطن كنت تفتقد إليه وتعيش مجددا حاكما، أو معارضا هادئا سلبيا، أو أن تحصل على وظيفة وبعض التنفس الذي حرمت في بيئة فاسدة ملوثة بدخان التسلط والهمجية واللامبالاة بمعاناة الناس البسطاء منهم خاصة الذين لا يجدون ناصرا سوى الله في محنتهم الطويلة.


ما أود الحديث عنه هو المعارضة في النظام الديمقراطي حتى الفوضوي منه، وغير الساكن إلى الاستقرار كالنظام السياسي الحالي في العراق الذي تتقلب فيه المواجع ويتقلب الناس فيها وتتيه بهم ويتيهون بها، فلا تعرف له مستقرا، ولا تدري برغم تداول السلطة كيف ستمضي الأمور غدا، فلا أنت بمطمئن لموالاة النظام الحاكم، ولا أنت بمطمئن لمعارضته الحادة، وقد تدفع ثمنا لذلك، في مثل هذا النظام الانتقالي الذي لا تعرف العمة (بنتها من كنتها) لا يستقر أحد على حال، ويفضل بعض الصحفيين والكتاب والمعلقين السياسيين ممارسة دور العاهرة التي تتقلب من حضن لآخر لتحصل على مبلغ من المال بخس لايساوي قيمة الشرف الذي أهدرته.

أن تعارض دون انبطاح لأدعياء المعارضة، وأن لا تهرج في وجه الحكومة، ودون أن تكون كالعاهرة التي تبيع جسدها لمن هب ودب، حاول أن تعارض بشرف، ولا تظهر العداء المبرم لمن تعارض سواء كان في الحكومة، أو طرفا في العملية السياسية خاصة وإن الحاكم والمحكوم والمعارض كلهم في السلطة سواء كما هو الحال في بلدنا حيث يكون الوزير وزيرا ويعارض بوقاحة عمل الحكومة ويخرب ما استطاع إكراما لطائفة أو لقومية.

فوجئت بأصدقاء لي من كتاب وصحفيين ومقدمي برامج ومدراء مكاتب فضائية وصحف وإذاعات ووكالات ينبطحون بطريقة مريبة ومسيئة ومخزية فهم يتنقلون بين الأحزاب والرموز السياسية، ومنهم من كان مقربا من مكتب رئيس الحكومة ويروج لسياساته وقبض أموالا وتنعم لفترة وغادر بعدها ليضاجع معارضي المالكي ويشتم من بعض القنوات بوقاحة، عدا عن الذين يتبنون كل السياسات الحالية فتراه يحصل على منصب وتمويل مالي وحظوة عند هذا المسئول الحكومي، أو ذاك. أراقب بعض الفضائيات وأسمع لهولاء يتحدثون بوقاحة تملقا لمن يدفع أكثر، ومنهم من يكتب المقالات في مدح هذا وذم ذاك بحسب المبلغ المدفوع، ومنهم من يكذب على أطراف حكومية في بغداد ويقول، أنا معكم، ثم يستميل أطرافا معارضة ويقول، أنا معكم إنما أنا مستهزئ بهؤلاء.
إنهم حمير المرحلة.
الجريدة الرسمية