رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تكون نفوسنا شفافة كالبلور يعبر نور الله من خلالها؟


لقد شدنى كثيرا ما قرأته لهذا الصوفى الورع شمس التبريزى الذي عاش في 1240 للميلاد، هجر بيت والده وهو في عمر الثانية عشرة، بعدما اختلفا على الرؤى التي كانت تلازمه من عمر السابعة كان والده يعتبر أن هذه أضغاث أحلام، لكنه كان يراها رؤى وهبة الله القدرة على تفسيرها، ومن وقتها ظل مرتحلا من بلد إلى أخرى حتى أتم العقد الرابع من العمر. يقول شمس ( يوجد معلمون مزيفون في هذا العالم أكثر عددا من النجوم في الكون المرئى، فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيين الذين يعملون بدافع السلطة وبين المعلمين الحقيقيين، فالمعلم الروحى الصادق لا يوجه انتباهك إليه ولا يتوقع طاعة مطلقة، أو إجابة تامة منك، بل يساعدك على أن تقدر نفسك وتحترمها، أن المعلميين الحقيقيين شفافون كالبلور، يعبر نور الله من خلالهم).


هل هناك منا من ينطبق عليه هذه الأوصاف الذي نادي بها شمس، هل يوجد معلمون حقيقيون يضحون بكل شيء من أجل اجتياز الطريق، يضحى بماله، بسلطانه، بشهرته، أو بشهواته الدنيوية للوصول إلى الصفاء الروحى الذي يجعله لا يثير انتباهك له، بقدر ما أنت في حاجة إليه من نور إلهى يضيء روحك وينقيها ويصفيها من كل الشوائب العالقة بالنفوس، الطريق طويل وشاق مثله مثل الورود التي يملأ عنقها الشوك الذي يؤخذ يدك فتشعر بالألم واللذة في نفس الوقت، فلا لذة أو متعة دون ألم كما قال هذا الدرويش الصوفى وكما قالها بعده نيتشة ( فيلسوف ألمانى عاصر هتلر ) كان هو الآخر صوفيا وكذلك أبيه وجده، عرفوا جميعهم أن السعادة لا تتحقق إلا بمزيد من الألم، فعندما تجد القابلة أن المرأة الحبلى لا تتألم أثناء المخاض، فإنها تعرف أن الطريق ليس سالكا بعد لوليدها، ولكى تضع وليدها يجب يكون هناك ألم، وكذلك الحب لا يكتمل إلا بالألم.!! 

فهل نحن نعيش اليوم هذا الألم؟ هل لدينا هذا المخاض الذي تحتاج إليه المرأة الحبلى لكى تنتهى من الولادة؟ هل بالفعل سنصل إلى نهاية الطريق وننعم باللذة ونتلمس السعادة التي حرمنا منها سنوات طوال.؟ الطريق يريد منا الشفافية التي تنير الروح، فهل منا من يمتلك هذه الشفافية؟ لقد ظل هذا الصوفى سائرا أربعين سنة يتلمس فيها الوصول إلى قبس من نور، إلى تلك الشفافية التي أضاءت روحه وملأت قلبه، يقول إن المعرفة الحدسية التي تملأ أرواح الزاهدين والنساك ليست المعرفة الأولية أو الباطنية التي يصل إليها الدراويش من أهل الصوفية، ولكنها معرفة باطنية الباطن التي تتأتى للأنبياء وأولياء الله الصالحين.

عندها يحدث الكشف من قبل الله لهؤلاء فيرون بأبصارهم على بعد آلاف الأميال في اللحظة الراهنة.! نادي الفاروق عمر على سارية وهو واقف على الممبر عندما رآه محاصرا، فقال ( ياسارية الجبل ) وسمع سارية النداء فالتف حول الجبل، هكذا كانت الأنبياء والخلفاء الراشدين وأولياء الله الصالحين في أزمنة متعاقبة حتى إن كان الصوفى الناسك الزاهد أبو حامد الغزالى الذي صحح الطريق بوضعه الأسس العلمية للتصوف الذي ما انفك القرن الرابع عشر الهجرى الا وأصبح هذا العلم مجرد من تعاليمه الأساسية، ليتعايش معه المجاذيب والمهرطقين.

لقد خلا زماننا هذا ممن يملكون هذه النفوس والأرواح الشفافة التي يغمرها النور الإلهى، وانتهى كذلك زمن المعجزات الإلهية، وأصبحنا في زمن العجائب، زمن يغتال فيه بعضنا بعضا، زمن القوى فيه هو الذي يسود، على مستوى الفرد والدول، زمن القيم فيه تبدلت، منظمات ودول وأمراء جماعات ترعى الإرهابيين وتمدهم بالسلاح والمال وجميعهم من الذين يعتنقون الإسلام، ويقتلون المسلمين والمسيحيين، وينحرون الرقاب ويأكلون القلوب ويشقون البطون من النساء والرجال والأطفال، ويهدمون المساجد والكنائس والقبور، كل ذلك باسم الإسلام، يكبرون الله ولا يخشون في الله لومة لائم، هكذا استطاعت قوى الشر المتمثلة في واشنطون ودول الغرب وبعض الدول العربية، قلب القيم، يقولون ما لا يفعلون، يقتلون الإنسان والحيوان والشجر والجماد ويكبرون!

علينا أن نضع كل ما يحدث لنا من كوارث ومصائب من تفجيرات وقتل وهدم للأديان تحت المجهر للدراسة والتحليل للوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدت بهؤلاء إلى ارتكاب هذه المجازر في كل البلاد العربية والإسلامية، علينا أن نعيد النظر في مناهجنا الدراسية وعلاقاتنا مع الدول الصديقة وغير الصديقة لنكتشف أين الخلل.؟ هل هذا الخلل نحن صانعوه، أم السبب ضعف إيماننا وتفريطنا في ديننا وقيمنا وما جبلنا عليه من فطرة.؟ وفى قول آخر للتبريزى يقول ( من السهل أن تحب إلها يتصف بالكمال، والنقاء، والعصمة،لكن الأصعب من ذلك أن تحب كل من حولك من بشر بما فيهم من نواقص وعيوب، فلا حكمة من دون حب، ومن لم يتعلم كيف يحب الناس، فلن يستطيع أن يحب الله، حيث يوجد نوع واحد من القذارة لا يمكن تطهيرها بالماء النقى، وهى الكراهية والتعصب التي تلوث الروح، نستطيع أن نطهر أجسامنا بالزهد والصيام، لكن الحب وحده هو الذي يطهر أرواحنا! 

Dr_hamdy@hotmail.com
الجريدة الرسمية