رئيس التحرير
عصام كامل

سلمية حية


منذ انطلاق المظاهرات الاحتجاجية التى بدأت فى الذكرى الثانية للثورة، وتوالت الدعوات والفعاليات التى تنادى بضرورة التخلى عن وسائل الاحتجاج العنيفة والحفاظ على الطابع السلمى للثورة، وكان آخر هذه الفعاليات مليونية "نبذ العنف" التى دعت إليها بعض الحركات والأحزاب الإسلامية، وكان من أهم مطالبها ضرورة التوقف عن استخدام كل أساليب الاحتجاج العنيفة التى تمارسها قوى المعارضة، بما فيها قطع الطرق والإضرابات ودعوات العصيان المدنى واستخدام المولوتوف، مؤكدة بذلك أن كل هذه الوسائل تتنافى تمامًا مع الطابع السلمى للثورة.


والحقيقة أن مثل هذه الدعوات والفعاليات التى تنظمها الحركات الإسلامية، تنم على إشكالية كبيرة تتعلق بعدم فهمها أو إدراكها لطبيعة وأساليب الاحتجاج العنيفة المتعارف عليها وفقًا للنظريات الثورية والخبرات التاريخية، كما تنم أيضًا عن عدم قدرتها على التمييز بين وسائل الاحتجاج السلمية، ووسائل الاحتجاج العنيفة.

فعند استعراض وسائل المقاومة السلمية، التى رسختها العديد من النظريات، وزعماء المقاومة السلمية حول العالم، وعلى رأسهم "المهاتما غاندي"، نجد أنها تنحسر فى الإضرابات والاعتصامات والعصيان المدنى ورفض طاعة القانون وقطع الطرق، وغيرها من الوسائل الأخرى التى لا يمكن وأن تؤدى إلى إحداث عنف أو صراعات دموية.

أما إذا استعرضنا وسائل المقاومة العنيفة أو المسلحة، التى يعد "تشى جيفارا" رائدها، فنجد أنها تقوم بالأساس على صراعات دموية بين قوات السلطة وبين قوات نظامية يقوم المعارضين لهذه السلطة بتشكيلها، بحيث تقوم تلك القوات النظامية بمهاجمة قوات السلطة بأسلحة وعتاد متقاربة -من حيث قوتها- مع ما تملكه الأخيرة، بالإضافة إلى قيامها بعمليات تخريب واسعة لمؤسسات السلطة، من أجل الاستيلاء عليها، والحكم من خلالها.

وبالتالي، ومن خلال استعراض كل من وسائل الاحتجاج السلمية والعنيفة، نستطيع أن ندرك جيدًا أن موجة الاحتجاج التى اجتاحت مصر منذ بدء الذكرى الثانية للثورة، هى موجة احتجاج سلمي، لا تمس بأى صلة للعنف، ولا يمكن توصيفها على أنها بمثابة مقاومة عنيفة، كما أن ظهور أو تشكيل جماعات أمثال "البلاك بلوك" وغيرها، يتمثل سلاحها فى زجاجة مولوتوف وبعض الحجارة، تقوم بإلقائها على قوات الأمن إذا استشعرت خطرا، ما هى إلا بمثابة أفعال عفوية يقوم بها بعض الشباب اليائس، الذى أستطيع أن أجزم أنه لا يستطيع أو يجرؤ حتى على حمل السلاح واستخدامه.

وبالتالى فموجة الاحتجاجات التى تشهدها مصر اليوم لم تكن ثورة عنيفة أو مسلحة، بل هى بمثابة استكمال للثورة السلمية التى بدأت فى 25 يناير 2011، وكان الطابع السلمى بمثابة السمة الأساسية لها، على الرغم من أنها شهدت دعوات للعصيان المدني، وإضراب لقطاعات عمالية كبيرة، واعتصامات، واستخدام واسع لزجاجات المولوتوف، وغيرها من نفس الأساليب التى تشهدها موجة الاحتجاجات الحالية، التى تصر السلطة الحاكمة على أنها منافية للطابع السلمى لثورة 25 يناير!!.

وفى النهاية أود أن أذكر بأننا كثيرًا ما سمعنا خلال المظاهرات التى انطلقت لتطالب باستكمال أهداف الثورة شعارات وهتافات من قبيل "سلمية ماتت"، وغيرها من الهتافات التى تنم على ضرورة الاستغناء عن الطابع السلمى للثورة، إلا أن هذا لم يحدث ولم يترجم على أرض الواقع، فما زالت سلمية حية لم تمت.

الجريدة الرسمية