العاشر من رمضان معركة الإيمان والإرادة.. الضربة الجوية كلمة السر في الانتصار.. 200 طائرة مصرية ضربت بطاريات الدفاع الجوي للعدو.. ومضخات المياه تدل على عبقرية العقلية المصرية
«عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء، ومهما تكن نتيجة المعارك، فإن الأهم هي الوثبة، وهي المعني أن مصر هي دائما مصر، تحسبها الدنيا قد نامت ولكن روحها لا تنام»، هكذا عبر الكاتب توفيق الحكيم، عن انتصار العاشر من رمضان، والعبور العظيم.
اليوم تمر الذكرى 41 لنصر العاشر من رمضان، والتي أتت بعد ست سنوات عجاف من نكسة 1967 م، والتي فقدت معها مصر جزءا عزيزا على قلوب جميع المصريين وهي سيناء.
ولكن في مثل هذا اليوم تمكن المصريون من تحويل هزيمتهم إلى نصر، وكسروا أسطورة "الجيش الذي لا يقهر"، وبشعار "الله أكبر" تمكن جنودنا البواسل وهم صائمون طائعون واثقون من نصر الله لهم من هزيمة المحتل الغاشم الإسرائيلى بالرغم من دعم الدول الكبرى له بكل أسلحتها وتحصيناتها.
حرب العاشر من رمضان هي الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة التي شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل عام 1973م، بدأت الحرب في يوم السبت 6 أكتوبر 1973 الموافق 10 رمضان 1393 هـ بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصري والجيش السوري على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان.
وحشدت مصر 300 ألف جندي من القوات البرية والجوية والبحرية، وتألفت التشكيلات الأساسية للقوات البرية من 5 فرق مشاة و3 فرق مشاة آلية وفرقتين مدرعتين إضافة إلى عدد من الألوية المستقلة وتشمل لواءي مدرعات و4 ألوية مشاة و3 ألوية.
وتهدف خطة الهجوم المصرية إلى اقتحام خط بارليف الدفاعي عن طريق دفع 5 فرق مشاة شرق قناة السويس في 5 نقاط مختلفة، واحتلال رءوس كبارى بعمق من 10 إلى 12 كم وهي المسافة المؤمنة من قبل مظلة الدفاع الجوي في حين تبقى فرقتان مدرعتان وفرقتان ميكانيكيتان غرب القناة كاحتياطي تعبوي فيما تبقى باقى القوات في القاهرة بتصرف القيادة العامة كاحتياطي استراتيجي.
القوات الجوية
وكانت في وقتها تمتلك القوات الجوية المصرية 305 طائرات مقاتلة وبإضافة طائرات التدريب يرتفع هذا العدد إلى 400 طائرة.
و مروحيات القوة الجوية تتألف من 140 طائرة مروحية فيما تمتلك قوات الدفاع الجوي نحو 150 كتيبة صواريخ أرض-جو.
القوات البحرية
وكانت القوات البحرية تمتلك 12 غواصة و5 مدمرات 3 فرقطات 17 زورق صواريخ 14 كاسحة ألغام، وبالرغم من أن البحرية المصرية لم تشترك في الحرب بشكل مباشر إلا أنها فرضت حصارا بحريا على إسرائيل عبر إغلاق مضيق باب المندب بوجه الملاحة الإسرائيلية.
الضربة الجوية
في تمام الثانية ظهرا من يوم العاشر من رمضان الموافق 6 أكتوبر 1973، نفذت القوات الجوية المصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية خلف قناة السويس.
وتشكلت القوة من 200 طائرة عبرت قناة السويس على ارتفاع منخفض للغاية، واستهدفت الطائرات محطات التشويش والإعاقة وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة.
وكان من المقرر أن تقوم الطائرات المصرية بضربة ثانية بعد تنفيذ الضربة الأولى إلا أن القيادة المصرية قررت إلغاء الضربة الثانية بعد النجاح الذي حققته الضربة الأولى، وإجمالي ما خسرته الطائرات المصرية في الضربة هو 5 طائرات فقط.
خط بارليف
وقال بعض الخبراء العسكريين الغربيين بعد دراستهم لتحصينات خط بارليف والمانع المائي الذي أمامه وهو قناة السويس، "إنه لا يمكن تدميره إلا إذا استخدمت القنبلة الذرية"، إلا أنه بعد العبور العظيم في العاشر من رمضان، وقف قادة إسرائيل في ذهول بعد أن دمر هذا الخط الدفاعي خلال ساعات وتبرأ موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق منه قائلا:" إن هذا الخط كان كقطعة الجبن الهشة".
وأنفق الإسرائيليون 300 مليون دولار لإنشاء خط بارليف وامتدت دفاعاته أكثر من 160 كم على طول الشاطئ الشرقي للقناة من بور فؤاد شمالا إلى رأس مسلة على خليج السويس، وبعمق 30 إلى 35 كم شرقًا، وغطت هذه الدفاعات مسطحا قدره نحو 5،000 كم² واحتوت على نظام من الملاجئ المحصنة والموانع القوية وحقول الألغام المضادة للأفراد والدبابات.
تحصينات خط بارليف
وضم خط بارليف 22 موقعا دفاعيا، و26 نقطة حصينة، وتم تحصين مبانيها بالأسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية للوقاية ضد كل أعمال القصف، كما كانت كل نقطة تضم 26 دشمة للرشاشات، و 24 ملجأ للأفراد بالإضافة إلى مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات، و15 نطاقا من الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام.
وكل نقطة حصينة عبارة عن منشأة هندسية معقدة وتتكون من عدة طوابق وتغوص في باطن الأرض ومساحتها تبلغ 4000 متر مربع وزودت كل نقطة بعدد من الملاجئ والدشم التي تتحمل القصف الجوي وضرب المدفعية الثقيلة.
وكل دشمة لها عدة فتحات لأسلحة المدفعية والدبابات، وتتصل الدشم ببعضها البعض عن طريق خنادق عميقة، وكل نقطة مجهزة بما يمكنها من تحقيق الدفاع الدائري إذا ما سقط أي جزء من الأجزاء المجاورة، ويتصل كل موقع بالمواقع الأخرى سلكيا ولاسلكيا بالإضافة إلى اتصاله بالقيادات المحلية مع ربط الخطوط التليفونية بشبكة الخطوط المدنية في إسرائيل ليستطيع الجندي الإسرائيلي في خط بارليف محادثة منزله في إسرائيل.
العقلية المصرية
إلا أن كل هذه التحصينات لم تقف عائقا أمام عقلية المهندس المصرى اللواء باقي زكي يوسف الذي حطم أسطورة خط بارليف فهو صاحب فكرة استخدام المياه في فتح الساتر الترابي تمهيدا لعبور القوات المصرية إلى سيناء، وهذه الفكرة رغم بساطتها أنقذت 20 ألف جندي مصري على الأقل من الموت المحقق.
سقوط خط بارليف
واستغل المصريون انشغال اليهود بالاحتفال بيوم "كيبور" أو عيد الغفران، مستغلين عنصري المفاجأة والتموية العسكريين الهائلين اللذين سبقا تلك الفترة.
وتمكن الجيش المصري في العاشر من رمضان من عبور الخط وأفقد العدو توازنه في أقل من ست ساعات، بعد الضربة الجوية، كما تم استغلال عناصر أخرى مثل المد والجزر واتجاه أشعة الشمس من اختراق الساتر الترابي في 81 موقع مختلف وإزالة 3 ملايين متر مكعب من التراب عن طريق استخدام مضخات مياه ذات ضغط عال، قامت بشرائها وزارة الزراعة للتمويه السياسي ومن ثم تم الاستيلاء على أغلب نقاطه الحصينة بخسائر محدودة ومن الـ 441 عسكريا إسرائيليا قتل 126 وأسر 161 ولم تصمد إلا نقطة واحدة هي نقطة بودابست في أقصى الشمال في مواجهة بورسعيد.
نتائج الحرب
وحقق الجيشان المصري والسوري الأهداف الاستراتيجية المرجوة، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى بعد شن الحرب، وتوغلت القوات المصرية 20 كم شرق قناة السويس، وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان.
أما في نهاية الحرب فانتعش الجيش الإسرائيلي فعلى الجبهة المصرية تمكن من فتح ثغرة الدفرسوار وعبر للضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني ولكنه فشل في تحقيق أي مكاسب استراتيجية سواء بالسيطرة على مدينة السويس أو تدمير الجيش الثالث، وعلى الجبهة السورية تمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان.
وتدخلت الدولتان العظيمتان في ذلك الحين في الحرب بشكل غير مباشر وزود الاتحاد السوفيتي بالأسلحة سوريا ومصر، بينما زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالعتاد العسكري، وفي نهاية الحرب عمل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وسيطًا بين الجانبين ووصل إلى اتفاقية هدنة لا تزال سارية المفعول بين سوريا وإسرائيل، وبدلت مصر وإسرائيل اتفاقية الهدنة باتفاقية سلام شاملة في "كامب ديفيد" 1979.
وانتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو 1974 ووافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.