رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة جابر عصفور.. وزير الثقافة: الربط بين نصر العاشر من رمضان وعون الله "خرافة".. "الأوقاف": تصريحات الوزير سيئة النية.. "البحوث الإسلامية": المصريون لا يروق لهم الفكر الإلحادى لـ"عصفور"

الدكتور جابر عصفور
الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة

« أنت وزير لا يفقه شيئًا عن الإسلام».. قالها رئيس حزب النور السلفى يونس مخيون، فيما اعتبره الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الشيخ محمد زكى وزيرًا يمثل خطرًا على الأمن القومى ردا على إساءة مبكرة من وزير الثقافة الجديد الدكتور جابر عصفور، صوب مؤسسة الأزهر الشريف، التي تحظى بحصانة دستورية وشعبية طاغية، فور توليه منصبه الذي كان يتوق إليه، خاصة أنه لم يستمر كثيرا في فترته الأولى.


«عصفور».. استغل الأزمة المفتعلة بشأن منع عرض فيلم «نوح»، الذي يجسد أحد أبطاله قصة نبى الله «نوح»، عليه السلام، لتوجيه ضربات استباقية للأزهر، الذي أوصى بعدم عرضه، لتحريمه تجسيد الأنبياء، ظنا منه أن الأمر قد يمر مرور الكرام، لا سيما أن الرجل ينتمى إلى فئة من المثقفين، لا ترى حرجا في جرح الإسلام والمسلمين، فهو من قال يوما: إن مصر بها أكثر من 150 ألف مسجد، جميعها تشكل أوكارا للإرهاب، كما كان يحرص دائما على إبعاد الطالبات المحجبات عن محاضراته بكلية الآداب، بجامعة القاهرة.

«الأزهر لن يحكمنا»..عبارة طائشة خرجت من فم وزير ثقافة مصر، سببت لغطا كبيرا، شعر الرجل السبعينى بعدها بخطر على منصبه، فقرر الانحناء للعاصفة قليلا، وذهب برجليه إلى مشيخة الأزهر معتذرا، أو متصنعا الاعتذار، غير أن من يعرفون جابر عصفور جيدا، يدركون أن العلاقة بين الأزهر ووزارة الثقافة، لن تكون على ما يرام في عهده، وهو ما جعل بعض المتابعين يعتبر تعيينه وزيرا للثقافة «فتنة»، لا يحتملها المجتمع في ظروفه الحالية، خاصة في ظل تربص بعض المتشددين لمثل هذه الأمور، وفى المقابل تضامن قطاع كبير من المثقفين مع عصفور في اتخاذ موقف معاد من الأزهر.

«لسنا في دولة دينية، والأزهر لن يحكمنا».. هكذا نطق وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور، بعد تنصيبه وزيرا للثقافة بأيام، متجاهلا أزمات معقدة وحقيقية تعانيها وزارته، ومختصرا كل همومها في منع عرض فيلم يجسد حياة أحد الأنبياء من أولى العزم.

هبت عاصفة من النقد الشديد على «عصفور»، الذي بدا متمسكا في بادئ الأمر بموقفه، كما أكد في اتصال هاتفى، ولكن شيئا ما أجبره على التراجع والاعتذار المسيس.

رغم التراجع التكتيكى لوزير الثقافة «المستجد» الدكتور جابر عصفور عن موقفه من الأزهر، وذهابه إلى مكتب شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب معتذرا، ومشيدا بدور المؤسسة الدينية الأبرز في العالم الإسلامى، الذي طالما كان قاسيا عليها، إلا أن تلميذ الدكتور طه حسين، يحمل مشاعر كراهية ضد كثير من علماء الأزهر ووزارة الأوقاف، تؤكدها مؤلفاته وكتاباته في الصحف المصرية والعربية.

«عصفور»، الذي أراد تقزيم دور الأزهر في أيام استوزاره الأولى، صرح أكثر من مرة بأن الأزهر يعانى تراجعا شديدا، مؤكدا أن خريجيه يتلقون تعليما رديئا، ومن ثمّ.. فهم خريجون رديئون، يقدمون إسلاما رجعيا متخلفا.

وفى مقالات وكتابات سابقة.. شدد «عصفور»، على أن عصره أفضل من عصر الصحابة، على خلاف ما أجمع عليه علماء الأمة من أن الفضل للمتقدم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول  "خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" ، كما يرى بأن الحجاب ليس له علاقة بالإسلام من قريب أو بعيد، وأنه «زى وهابى متشدد»، ويرفض الرجل الربط بين نصر العاشر من رمضان وعون الله للجنود المصريين، واصفا ذلك بالخرافة، كما كان شديد الانتقاد للمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، وطالب بتغييرها لتضم جميع الديانات، وهو دائم السخرية من الأحكام الخاصة بالسرقة والزنا، ويعتبر إسلام ابن تيمية وابن حنبل وابن القيم «إسلاما رجعيا متخلفا»، وله رأى طريف في إباحة المشاهد الساخنة في الأعمال الفنية.. كل هذا دفع الكثيرين إلى أن يرجحوا بأن «عصفور»، الذي لم يرحب قطاع كبير من المثقفين باختياره، لن يبقى طويلا في منصبه.

يرى الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن أن الأزهر الشريف يقحم نفسه في غير دوره، مطالبا بإبعاده عن الأعمال الفنية والثقافية، ومعتبرا أن تدخله لمنع عرض فيلم «نوح» أمر غير مقبول وتشدد غير مفيد للدين أو الثقافة.

ودعا عبد الرحمن، الأزهر الشريف، إلى مراجعة دوره وإعادة صياغته بما يتناسب مع متطلبات الحياة والعصر.

وأضاف عبدالرحمن في تصريحات لـ"فيتو"، أن الأزهر في حقبتى الستينيات والسبعينيات كان يسمح بتجسيد الصحابة في الأفلام السينمائية، مستدلا بتجسيد الفنان الراحل حسين صدقى لشخصية الصحابى الجليل خالد بن الوليد، ولم تحدث أية ضجة مثلما يحدث هذه الأيام.

وأشار عبدالرحمن، إلى أنه كان ينبغى على المسئولين في الأزهر، السماح بعرض الفيلم، ثم تسجيل ملاحظاتهم عليه بعد ذلك، منوها إلى أن فيلم «نوح» عمل سينمائى قوى يضاهى فيلم الرسالة للمخرج السورى الراحل مصطفى العقاد.

وطالب محفوظ عبدالرحمن بتشكيل لجنة من الأزهر والمثقفين لوضع ما أٍسماه بخارطة طريق حول تجسيد الأنبياء في الأفلام السينمائية، والوصول إلى حلول ترضى جميع الأطراف، ويحدث اتفاق بينهما، تجعل ما للدين للدين، وما للثقافة للثقافة.

رفض الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، تجاوزات وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور، بحق مؤسسة الأزهر، وتجريحه لها، على خلفية أزمة منع عرض رأى فيلم «نوح»، لتحريم علماء الأزهر، تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، مشددا في تصريحات خاصة لـ"فيتو" على أنه ليس من حق أحد، أن يطالب الأزهر بالرجوع عن رأي شرعي أصدرته هيئة من هيئاته الشرعية، منفردة أو مجتمعة، خاصة إذا كان هذا الرأي متعلقا بالثوابت الشرعية التي لا تقبل الاجتهاد.

وأوضح شومان، أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أكد من قبل، أن الأزهر ليس جهة منع أو مصادرة للأعمال الفنية، وإنما دوره يتمثل في أن يبين الرأي الشرعي للناس ويضعه أمام الجهات المعنية لتستفيد منه إذا أرادت ذلك.

ولفت وكيل الأزهر، إلى أن الأيام المقبلة ستحدد طبيعة العلاقة بين الأزهر ووزير الثقافة، جابر عصفور، الذي زار مكتب شيخ الأزهر، فور اندلاع الأزمة الأخيرة، من خلال الأداء الذي نأمل أن يوفق فيه لما يخدم قضايا الوطن ومشكلاته المعاصرة، مع التقيد بالضوابط الشرعية التي ترعى مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية.

وشدد شومان على أن الدكتور أحمد الطيب، استقبل وفدا فنيا، وأبلغهم بأن الأزهر ليس جهة منع أو مصادرة للأعمال الفنية، وإنما واجبه أن يبين الرأي الشرعي ويضعه أمام الجهات المعنية لتستفيد منه إن أرادت ذلك.

وأكد وكيل الأزهر أن الطيب رفض مطالبات كثيرة من داخل الأزهر وخارجه، نادت بصلاحيات أوسع في الدستورين الأخيرين، حتى ﻻ يتحول الأزهر إلى سلطة من السلطات التنفيذية، مشددا على أنه لا أحد يملك منع الأزهر من القيام بواجبه ودوره المنوط به بالشرع والدستور.

وأوضح وكيل الأزهر أن من حق وزير الثقافة أن يعترض على عرض ما يشاء من الأعمال فنية، لأنه من صميم اختصاصه، ومن حق الأزهر أيضا أن يبيّن الرأي الشرعي في هذه الأعمال، وسيمارس الأزهر هذا الدور دون التعدي على سلطات الآخرين.

وبين شومان أن الدكتور أحمد الطيب، أوضح لعصفور خلال لقائه الأسبوع الماضى، أن الأزهر الشريف لا يبحث عن دور سياسي، وإنما يؤدي واجبه الشرعي والوطني والدستوري، وأن الأزهر ليس سلطة منع ولا حظر، ولا هو سلطة دينية، وإنما يبين حكم الشرع في مختلف القضايا التي يسْتَفتَى فيها.

اعتبر الشيخ محمد زكى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، اختيار الدكتور جابر عصفور، وزيرا للثقافة، «أمرا خطيرا يهدد الأمن القومى»، على حد وصفه، وشن «زكى» هجوما حادا على عصفور واصفا ما اعتبره تطاولا من جانب الوزير على الأزهر ودوره في المجتمع، بأنه «تهديد للأمن القومى، وخروج على القيم والثوابت».

وأوضح الأمين العام لمجمع البحوث الٍإسلامية، في تصريحات خاصة لـ"فيتو" أن وزارة الثقافة تكمن مهمتها في إنارة العقول، وأن تكون عامل بناء في تكوين الشخصية المصرية ثقافيا وفكريا، والارتقاء بها، ولا تكون معول هدم للدين والأخلاق، كما يريد عصفور، على حد قوله، منوها إلى أن الشعب المصرى لن تؤثر فيه فكر العلمنة ولا الإلحاد اللذين أتى بهما جابر عصفور، على حد قوله.

وكشف زكى أن أية محاولة للصدام مع الأزهر، هي محاولة لهدم المشروع الإسلامى والدستور الذي وافق عليه الشعب المصرى بأغلبية ساحقة، لافتا إلى أن الشعب سيقف بالمرصاد لكل من يحاول طمس هويته وثقافته وحضارته، والأزهر ذو حصانة ومناعة ربانية.

وأوضح الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أنه كان من الأولى على وزير الثقافة، أن يحاول الارتقاء بثقافة الدولة المصرية، ويشارك في عمل يعيد لها مكانتها الرائدة، واللحاق بركب الحضارات الإنسانية، بدلا من أن يعمل على نشر عمل يسىء لأحد الأنبياء، متسائلا: هل يعد هذا حلا سحريا لحل المشاكل التي تعانى منها مصر؟

وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، أن الشعب المصرى بأكمله سيثور ضد من يحاول الإساءة للدين أو الهوية أو الرسل أو الأنبياء، مطالبا جميع مؤسسات الدولة بالتصدى لعصفور الذي خرج على هويتنا، وعقيدتنا على حد وصفه.

اعتبر وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة الشيخ محمد عبد الستار تصريحات وزير الثقافة الدكتور جابر عصفور بشأن الأزهر ومحاولة تقزيم دوره بأنها «خروج عن حدود اللياقة والأدب»، مضيفا في تصريحات خاصة لـ«فيتو» أن اتهامات عصفور للأزهر ووزارة الأوقاف تعكس قلة معلوماته وعدم دقتها وسوء النية، والرغبة في افتعال الأزمات، في وقت يئن فيه المجتمع بأكمله.

وقال عبد الستار لـ«فيتو»: إنه لا وجود لمصطلح «الدولة الدينية» في مصر، وأن مدنية الدولة أقرت بلجنة الـ"50" لتعديل الدستور.

ودعا وكيل وزارة الأوقاف، وزارة الثقافة إلى ضرورة تفهم اعتراض الأزهر على عرض بعض الأعمال الفنية التي قد تتصادم مع الثوابت الدينية، من خلال إبداء الرأي الشرعي في عرض الأعمال المتعلقة بالأنبياء والصحابة، محذرا في الوقت ذاته من خطورة تناول أعمال فنية تستفز المسلمين ومؤسسة الأزهر خاصة فيما يتعلق بالأنبياء أو يتصادم مع صحيح العقيدة، لأن الأزهر لن يسمح بتمرير هذه الأعمال الفنية، معتبرا تصريح وزير الثقافة بأن الأزهر لن يحكم مصر، خروجا عن اللياقة في الحديث»، فمؤسسة الأزهر رفضت الحصول على صلاحيات أخرى، لأن أهم ما يشغل المؤسسة الأزهرية هو نشر المنهج الوسطي الأزهري والتصدي لجماعات التحريض على العنف، رافضا ما وصفه بالمزايدات على دور الأزهر وموقفه.

ويرى عبد الستار أن تصريحات وزير الثقافة تتصادم مع الدستور الذي يدعي الاحتكام إليه، مشددا على أن المادة 7 من الدستور تنص على أي الأزهر هو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، أي في كل ما يخص الشأن الإسلامي سواءً في الفن أو غيره.

ونفي عبد الستار، أن تكون مساجد وزارة الأوقاف خاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابية، كما يطنطن جابر عصفور في مقالاته وحواراته، مؤكدا أن وزارة الأوقاف تسيطر بشكل كامل على جميع المساجد، كما أنها استطاعت خلال فترة قليلة ضبط الخطاب الديني، كما أصدرت الوزارة قرارا بمنع غير الأزهريين من اعتلاء المنابر وسعت بعد ذلك إلى تحويل القرار إلى قانون صدر بقرار جمهوري، ينظم الخطابة في المساجد، وتم بموجبه منع غير الأزهريين من اعتلاء منابر المساجد.

مختتما تصريحاته بنصيحة «عصفور» بأن يلتزم اللياقة عندما يتحدث عن الإسلام ومؤسساته.

نقلا عن العدد الورقى.
الجريدة الرسمية