رئيس التحرير
عصام كامل

«9 أعوام على تفجيرات لندن».. بريطانيا تدفع ثمن الاشتراك في حرب العراق.. الاعتداءات تثير غضب اليمين المتطرف ضد المسلمين.. "القاعدة في أوربا" تعلن مسئوليتها عن الحادث

تفجيرات لندن
تفجيرات لندن

في مثل هذا اليوم من 9 أعوام تعرضت العاصمة البريطانية لندن لسلسلة من التفجيرات الإرهابية التي خلفت وراءها 56 قتيلا وأكثر من 700 جريح، ومن خلال التحقيقات تبين أن من قام بهذه التفجيرات عدد من البريطانيين من أبناء الجالية الإسلامية وقد أثارت هذه التفجيرات موجة من الرعب الشديد في بريطانيا وخارجها، خاصة في الدول الأوربية، التي شعرت بأن عواصمها يمكن أن تصبح أهدافا مستقبلية لقوى الإرهاب كما أعادت هذه التفجيرات للأذهان صور الدمار والقتلى، على غرار ما حدث في هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001، تفجيرات مدريد في مارس2004.

تمزق المجتمع البريطاني
هذه التفجيرات أعادت الجدل حول العديد من القضايا الشائكة كما أثارت مجموعة من ردود الأفعال الخارجية والداخلية، وفي هذا السياق هددت التفجيرات التي أصابت قلب العاصمة البريطانية أصابت نسيج المجتمع البريطانى بالتمزق من الداخل بعد أن ثبت أن هذه الأعمال قام بها بريطانيون من أصول باكستانية، وهو ما يعنى أن هناك من البريطانيين من يرغب في تدمير بلاده وإشاعة الرعب والخراب بين أبناء وطنه، كما واجهت الجالية الإسلامية في بريطانيا نتيجة لهذه الهجمات العديد من المشكلات، حيث طالت أصابع الاتهام كل مسلم في بريطانيا وبات ينظر إليه على أنه إرهابى مما أثار الفزع بين أبناء الجالية.

اعتداءات عنصرية
منذ اندلاع أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 واعتداءات مدريد 2004 شهدت بريطانيا أعلى معدل للاعتداءات والممارسات العنصرية ضد المسلمين في أوربا كلها، خاصة في ظل تصاعد اعتداءات الجماعات والأحزاب اليمينية المتطرفة ضد المسلمين، والتي يأتى في مقدمتها الحزب الوطنى البريطانى (بى إن بى) الذي يتزعمه نيك جريفين الذي يحاكم الآن لإطلاقه تصريحات عنصرية ضد الإسلام حيث وصفه بالدين الشرير ويعد هذا الحزب أكبر حزب يمينى في بريطانيا من حيث الحجم، كما توجد أحزاب، وجماعات أخرى مثل الجبهة الوطنية ومجموعة كومبات 18 الفارس الأبيض السرية المتطرفة، وكل هذه الأحزاب والجماعات ترفع شعارات وتقوم بممارسات تحض على طرد المسلمين المهاجرين من بريطانيا، كما أن وسائل الإعلام عملت على تقديم صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين مما زاد العداء والكراهية لهم، وقد كشفت أرقام وزارة الداخلية البريطانية عن أن نحو 35 ألف مسلم بريطانى تم توقيفهم وتفتيشهم عام 2003 من دون أسباب محددة، وأن أقل من 50 منهم فقط وجهت إليهم تهم رسمية.

قاعدة الجهاد
في الفترة التي أعقبت تفجيرات لندن ربط الكثيرون بين هذه التفجيرات وبين مواقف السياسة الخارجية البريطانية من بعض قضايا الشرق الأوسط، وتحديدا الحرب على العراق وتحالفها مع الولايات المتحدة في هذا الصدد وقد تدعمت هذه الرؤية مع إعلان مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة تطلق على نفسها اسم قاعدة الجهاد في أوربا في بيان لها على الإنترنت مسئوليتها عن التفجيرات معللة ذلك بما يلقاه الإسلام في العراق وأفغانستان كما أن نسبة كبيرة من الشعب البريطانى ربطت بين هذه التفجيرات واشتراك بريطانيا في الحرب على العراق.

تنظيم القاعدة
كما أشارت معظم التحليلات إلى ضلوع تنظيم القاعدة في هذه التفجيرات، خاصة بعدما أعلنت مجموعة تابعة للتنظيم تطلق على نفسها اسم قاعدة الجهاد في أوربا في بيان لها على الإنترنت مسئوليتها عن هذه الأعمال، وبعد التفجيرات بيومين أعلنت كتائب أبو حفص المصرى لواء أوربا التابعة لتنظيم القاعدة مسئوليتها هي الأخرى عن هذه التفجيرات، وصدر لها بيان يحمل هذا المعنى على أحد مواقع شبكة الإنترنت كما نشرت هذه الجماعة بيانا آخر على شبكة الإنترنت في 19 يوليو، هددت فيه الدول الأوربية بتعرضها لاعتداءات مشابهة لتفجيرات لندن إذا لم تسحب قواتها المنتشرة في العراق، وحدد هذا البيان الدول التي يجب سحب قواتها من العراق وهى: بريطانيا والدنمرك وهولندا وإيطاليا، وإلا فستتعرض لضربات انتقامية وفى 3 أغسطس 2005 بثت قناة الجزيرة شريطا للرجل الثانى في تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، حذر فيه البريطانيين من مغبة سياسات رئيس وزرائهم تونى بلير، وأكد أن هذه السياسات ستجلب لهم المزيد من الدمار بعد تفجيرات لندن وبالرغم من ذلك، فقد أفادت صحيفة الإندبندنت البريطانية في 13 أغسطس 2005 أن التحقيقات التي أجرتها أجهزة الشرطة والاستخبارات البريطانية حول المجموعتين اللتين تقفان وراء تفجيرات السابع من يوليو الماضى في شبكة النقل في لندن والمحاولة الفاشلة لتنفيذ هجوم مماثل التي تبعتها في 21 يوليو، كشفت عن أن هاتين المجموعتين كانتا تعملان بشكل مستقل عن عقل مدبر تابع لتنظيم القاعدة في الخارج، كما أن المجموعتين لا علاقة لهما ببعضهما بعضا ولكن رغم النتائج التي أفرزتها التحقيقات حول عدم اتصال تنظيم القاعدة بتفجيرات لندن، إلا أن هذا لا ينفى وجود خلايا إرهابية نائمة ومستوطنة في بريطانيا قد تقوم بأى عمل إرهابى آخر.

كما أفرزت تفجيرات لندن عددا من ردود الأفعال الداخلية والدولية إزاء هذا الحدث، فعلى الصعيد الداخلي البريطاني جاءت هذه التفجيرات في وقت كانت فيه بريطانيا تعيش حالة من الانتصار السياسي والاقتصادى بعد أن كانت قد حصلت في اليوم السابق على التفجيرات على حق استضافة الألعاب الأوليمبية لعام 2012، وبعد تسلمها رئاسة الاتحاد الأوربي كما حدثت هذه العمليات في أثناء انعقاد قمة الدول الصناعية الثمانى الكبرى وعلى الرغم من أن هذه التفجيرات لم تكن الأولى التي تتعرض فيها المملكة المتحدة لأعمال عنف، حيث تعرضت مدينة لندن عامى 1940 و1941 لقصف الطائرات الحربية الألمانية، وخلال ثلاثة عقود متتالية منذ مطلع السبعينيات نفذ الجيش الجمهورى الأيرلندى عدة تفجيرات، إلا أن تفجيرات لندن مثلت المرة الأولى التي يقوم فيها بريطانيون بهجمات انتحارية داخل عاصمة بلادهم.

اتخذت الحكومة البريطانية إزاء هذه الأحداث العديد من الإجراءات من أبرزها التشاور حول تدابير سجن أو طرد أشخاص يحرضون على العنف، وتم وضع قائمة بمواقع إنترنت وأسماء مكتبات ومراكز دينية متطرفة، ويمكن طرد الأجانب المرتبطين بها بناء على قرار من وزير الداخلية، أما المواطنون البريطانيون الذين لا يمكن طردهم فسيتم تطبيق تدابير مراقبة عليهم، وأى مخالفة لهذه التدابير ستؤدى إلى احتجاز صاحبها لن تسمح السلطات البريطانية للأجانب بمن فيهم علماء الدين والأئمة بدخول البلاد قبل التأكد من عدم تورطهم في الإرهاب، وعدم منح حق اللجوء السياسي لأى شخص متورط في الإرهاب، إضافة جريمة جديدة هي تمجيد الإرهاب أي ليس دعم الإرهاب داخل بريطانيا فقط بل في الخارج يمكن إسقاط الجنسية البريطانية عن الأشخاص المتورطين في أعمال إرهابية.


أيضًا أدانت الجالية الإسلامية في بريطانيا التفجيرات التي تعرضت لها لندن، واستنكرت هذه الأعمال التي تشوه تعاليم الإسلام وتخلق نوعا من الريبة والشك تجاه كل ما له صلة بالإسلام وأصدر القادة الدينيون في بريطانيا بيانا يدينون فيه الهجمات، وتناوب على قراءة البيان الذي تم إلقاؤه في قصر لاميث في لندن قادة مسلمون ومسيحيون ويهود، كما أصدر المنتدى الإسلامى البريطانى فتوى تحرم العمليات الانتحارية ودافع عنها أكثر من 500 مسلم من جميع أنحاء بريطانيا، كما أصدر مجلس السنة فتوى تدين التفجيرات وتعتبرها معادية للإسلام في حين تعرض المسلمون لموجة من الاعتداءات والممارسات العنصرية بدأت منذ اليوم الأول لحدوث التفجيرات، حيث تلقى مجلس مسلمى بريطانيا في ذلك اليوم أكثر من ثلاثين ألف رسالة تهديد بشن هجمات انتقامية ضد المسلمين المقيمين في بريطانيا، كما أشار منتدى سلامة المسلمين في بيان له إلى أن تلك الاعتداءات تضمنت اعتداءات على دور العبادة واستهداف أفراد من الجالية الإسلامية، وقد سجلت الشرطة أكثر من 230 حادثا متعلقا بجرائم الكراهية ضد الأقليات مقارنة بـ36 حالة حدثت في عام 2004 كما أشارت اللجنة الإسلامية لحقوق الإنسان إلى ارتفاع عدد التوكيلات القضائية التي تلقتها من مسلمين لرفع قضايا إثر تعرضهم لاعتداءات، من نحو ست قضايا في الأسبوع إلى أكثر من مائة قضية مؤخرا وقد وقعت هذه الاعتداءات على المسلمين على الرغم من إدانة رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير لها والتقائه في 18 يونيو بممثلى الجالية الإسلامية من كافة أنحاء بريطانيا، لبحث اتخاذ الإجراءات اللازمة عقب التفجيرات التي شهدتها لندن.

أما عن ردود الافعال الدولية فقد أعلنت معظم دول العالم إدانتها للأعمال الإرهابية التي ضربت لندن، ومع هذه الإدانات اجتاحت العالم حالة من الرعب والتأهب الأمني ظهرت بوضوح في العديد من الدول الأوربية، خاصة التي شاركت بقوات في الحرب على العراق نظرا لتوقع هذه الدول حدوث اعتداءات مماثلة داخل أراضيها، وحرصت هذه الدول على تأمين شبكات المواصلات بها، خاصة القطارات والمطارات، وتشديد الإجراءات الأمنية حول الممتلكات البريطانية، كما درست هذه الدول إمكانية نشر كاميرات مراقبة في شوارعها على غرار ما هو قائم في لندن لمنع وقوع اعتداءات إرهابية على أراضيها وكان من أهم الدول التي أعلنت حالة التأهب الأمني القصوى، كإجراء وقائى، إيطاليا التي تتوقع السلطات فيها وقوع اعتداءات مشابهة على أراضيها، نظرا لاشتراكها في الحرب على العراق كما أعلن المتحدث باسم سيلفيو بيرلسكونى رئيس وزراء إيطاليا في 13 أغسطس 2005 أن بلاده ستسحب جزءا من قواتها في العراق في وقت مبكر من شهر سبتمبر 2005، كما تهتم ألمانيا بإجراء عدد من التدابير الأمنية للحماية من الهجمات الإرهابية.
الجريدة الرسمية