رئيس التحرير
عصام كامل

«السيسي» ومن بعده الطوفان


"هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه".. هذا ما قاله السيسي بنفسه في أحد خطاباته العاطفية التي قصد من خلالها اللعب على عواطف الجهلاء من هذا الشعب، الذين يتأثرون بالكلمة ولا يبحثون عما وراءها، هؤلاء الذين خرجوا ضد مرسي لأنه كان ينوى رفع الأسعار، حسبما أكدت الأخبار التي كانت تنشر وقتها، والذين خرجوا ضده لأن الجماعة تحكم البلد من خلاله، ولأنه كان سيتسبب في ضياع حصة مصر من مياه النيل، ولأنه باع مصر لقطر وتركيا، وغيرها من الأسباب التي كانت تدعو أي شعب محترم للخروج على رئيسه بغض النظر عن حقيقتها من عدمه، حتى لو لم تكن حقيقية فإن الشعب لم يتسن له التأكد من عدم حقيقتها.

لكن الأهم من ذلك أن ما تسبب في خروج الشعب ضد مرسي هو نفسه ما يحدث الآن بشكل واضح وعلنى دون أن يفتح أحد فمه ليبدى حتى اعتراضه، وحقيقة الأمر أن أحدا لن يعترض لأن السيسي على هواهم، وإن كان هناك من لديه نية الاعتراض فهو لن يجرؤ.

أيام أن كان مرسي يحكم البلد تسربت شائعات عن زيادة الأسعار وهو الأمر الذي نفته رئاسة الوزراء، ولكن قبل النفى هاجت الدنيا وأصبح مذيعو الفضائيات مناضلين، وتأجج الوضع في الشارع، وأبدت القوى السياسية استعدادها للتحرك، حتى تم نفى الأمر، وبالأمس أعلنت حكومة السيسي عن زيادة أسعار كل شىء، فهل تحدث أحد؟

أيام مرسي كان الجميع يتحدث عن الجماعة التي تحكم مصر من خلال مرسي الضعيف صاحب الشخصية المهلهلة، أما اليوم فالسيسي يحكم، هل يجرؤ أحد أن يسأل من يحكم مصر من خلال السيسي؟

أيام مرسي كان الجميع يتحدث عن سد النهضة، وكان مذيعو وضيوف القنوات الفضائية يلطمون كـ "الولايا"، وكأن إثيوبيا ستفتتح سد النهضة بعد أيام، أما بعدما أصبح السيسي رئيسًا أصبح سد النهضة يحمل الخير لمصر، وأصبح هناك وقت للتفاوض والمناقشة والمجادلة.

أيام مرسي كانت قطر وتركيا يسعيان للسيطرة على مصر، وكأنه سيكتب لهما مصر "بيع وشرا"، أما في عهد السيسي فلا أحد يتحدث عن السعودية والإمارات والبحرين والكويت الذين أغدقوا علينا الأموال لمساعدتنا، حسب زعمهم، ولم يفكر أحد في أن يقول إن السيسي يبيع مصر للخليج.

وغيرها من المقارنات التي لا تنتهى.. ولا أقصد هنا تبييض صورة مرسي لأن أخطاءه هي من أوقعت به في هذا المأزق، ولولا تخليه عن الثورة والثوار ومحاولته التفرد هو وجماعته بالسلطة لما كان كل ذلك قد حدث، ولكنى أتساءل فقط، ما الذي تغير حتى نجد القوى السياسية خاضعة للسلطة، ولماذا تحول مذيعو التوك شو إلى حيوانات أليفة لا تتحدث عن المصائب والكوارث التي يرتكبها السيسي، وفجأة أصبح ما كان يفعله مرسي حلالًا، ولكن بعدما فعله السيسي، فالشخص هو المعيار عندهم وليس الفعل والمصلحة.

الآن ستجد مليون تفسير إيجابى لغلاء الأسعار، وتكاسل السلطة عن محاربة الفساد، واستمرار إثيوبيا في بناء سد النهضة، وغيرها.. المهم أن السيسي هو الرئيس، حتى لو "خرب" مصر، المهم أن يجلس على العرش، وأن يحميه المستفيدون والمستنفعون ورجال المال والأعمال والفلول.
الجريدة الرسمية