إعلان خلافة أمير "داعش" يقسم التيارات الجهادية.. المقدسي يحذر تنظيم الدولة الإسلامية من "سفك دماء المسلمين".. الضاري إعلان الخلافة بداية تقسيم العراق.. "أنصار بيت المقدس" في طريقها للانضمام لداعش
شكل إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" قيام الخلافة الإسلامية وتنصيب خليفة للمسلمين ومبايعة عبدالله إبراهيم "أبوبكر البغدادي"، حدثا فارقا تباينت حوله ردود الأفعال بين الجدية والتهوين بل والسخرية، غير أن قوة التنظيم وتعاظمها في الآونة الأخيرة لا يمكن أن تكشف إلا عن صعوبة الأيام القادمة في العراق وسوريا، فطبيعة الصراع أصبحت تأخذ شكلا أوسع وأعمق بعد هذا الإعلان الذي كان متوقعا لدى كل مراقبي "الحركة الجهادية".
ففي العام 2005 تم تسريب كتاب "الزرقاوي؛ الجيل الثاني للقاعدة" خطة تنظيم «القاعدة» الاستراتيجية لـ 20 عامًا (2000-2020) الذي نظن أن كاتبه كتبه باسم حركي، لم يأخذها كثير من المراقبين والمحللين بكثير من الجدية، غير أن الأحداث السياسية والعسكرية التي عاشتها المنطقة فيما بعد، ومنذ انطلاق ثورات الربيع العربي في العام 2011 أعادت الجميع قسرا للاطلاع على الخطة المكونة من ست مراحل من بينها مرحلة إعلان الخلافة الإسلامية بين 2013 و2016 والتي تسبق مباشرة مرحلة المواجهة المفتوحة والانتصار النهائي.
فالإعلان الأخير يشكل قرارا ضمنيا من التنظيم بتوسع عملياته في المنطقة لتشمل "البؤر الساخنة أمنيا وسياسيا" كلبنان ومصر والأردن بل والتوسع بشكل أفقي نحو المناطق المأزومة في المغربي العربي في ليبيا وتونس والجزائر وأفريقيا جنوب الصحراء حيث تتمركز نواة جهادية شكلتها القاعدة وحزام التنظيمات الموالي لها في إقليم الازواد شمال مالي وجنوب موريتانيا، إلى جانب جيوب "الحراك الجهادي" في اليمن.
الخلافة وانقسام الجهاديين إلى " فسطاطين"
لم يجد الإعلان عن "الخلافة الإسلامية الوليدة" ذلك الصدى المتوقع داخل الساحة الجهادية بالمقارنة بضخامة "الحلم "الذي عملت من أجله "قوى الإسلام السياسي" منذ سقوط خلافة أل عثمان في إسطنبول مطلع القرن الماضي.
أصوات العداء والرفض للخلافة الجديدة خرجت من قيادات لها ثقل تاريخي وشرعي في الساحة الجهادية، كان أبرزها موقف الأب الروحي للسلفية الجهادية الأردني عصام البرقاوي المعروف بأبي محمد المقدسي والذي شن هجوما قاسيا على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، محذرا من "سفك الدم الحرام" بعد إعلان التنظيم قيام "الخلافة" بالمناطق الخاضعة لسيطرته.
و قال المقدسي في تصريحات صحافية في 2 يوليو الماضي: "لا يضيرني المسمى وإعلانه ولن أضيع وقتي في تفنيد ما سوده فلان في كتابه؛ فكلنا يتمنى رجوع الخلافة وكسر الحدود ورفع رايات التوحيد وتنكيس رايات التنديد ولا يكره ذلك إلا منافق؛ والعبرة بمطابقة الأسماء للحقائق ووجودها وتطبيقها حقا وفعلا على أرض الواقع؛ ومن تعجل شيئا قبل آوانه عوقب بحرمانه.".
وتابع المقدسي، محذرا: "نقول محذرين للوالغين في دماء المسلمين كائنا من كانوا: لا تظنوا أنكم بأصواتكم العالية ستسكتون صوت الحق؛ أو أنكم بتهديدكم وزعيقكم وقلة أدبكم وعدوانكم ستخرسون شهاداتنا بالحق لا وألف لا.. فإما أن تصلحوا وتسددوا وتتوبوا وتؤوبوا وتكفوا عن دماء المسلمين وعن تشويه هذا الدين أو لنجردن لكم ألسنة كالسيوف السقال تضرب ببراهينها أكباد المطي ويسير بمقالها الركبان.. وأنتم وغيركم يعلم أننا لم نصمت في الأسر والقضبان؛ فلن نصمت بعد فكاك سطوة السجان."
و يتقاسم المقدسي نفس الموقف من تنظيم دولة العراق والشام مع القيادي في التيار السلفي الجهادي الأردني عمر محمود عثمان الملقب بأبي قتادة، و الذي كان دعا في وقت سابق من محبسه في العاصمة الأردنية إلى المقاتلين في سوريا المنضوين تحت لواء "داعش"، وغيرهم، إلى الخروج عن قيادتها معتبرا أن "كل من يبقى معها آثم."
من جانبه انتقد الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين في العراق، إعلان الخلافة قائلا إنها ستمهد لتقسيم العراق، وهو ما يعني ضمنا خسارة "داعش" للثقل السني داخل محافظات العراق، بما تمثله الهيئة من مرجعية شرعية ودينية لقطاعات واسعة من العشائر السنية المحاربة لحكومة المالكي.
أما في سوريا، فإلي جانب العداء المعلن بين فرع القاعدة ''جبهة النصرة'' وداعش منذ مطلع العام الحالي والذي تطور إلى اقتتال، فقد أعلنت تسع جماعات جهادية سورية رفضها لإعلان "الخلافة الإسلامية" طاعنة في السند الفقهي والشرعي لهذا الإعلان، ومتهمة تنظيم الدولة الإسلامية بــ"الخوارج" رغم خروج بعض مجموعات النصرة عليها في دير الزور ومبايعتها داعش في 2 يوليو.
ولكن مجموع وغالب الجماعات الجهادية السورية ومن بينها "الجبهة الإسلامية "(ائتلاف لفصائل إسلامية مقاتلة) رفضت إعلان داعش مؤكدة أنه "سيستخدم كذريعة من الدول الغربية التي تريد أن تميل الكفة ضد الثوار الذين يسعون إلى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وتحسين صورته في الغرب على أنه القائد الشرعي للبلاد".
و هذا ما يعني أن تمدد داعش في الداخل السوري سيتعرض إلى العديد من العراقيل بعد توحد كافة الجماعات الجهادية في جبهة واحدة ضدها، إلى جانب ما يلقاه "نظامها" من رفض شعبي مما يقلص من الحاضنة الشعبية التي استفادت منها في الأيام السابقة خاصة في العراق.
أثر الإعلان على "الحركة الجهادية العالمية".. نحو تفكك القاعدة
في كلمته التي أعلن فيها قيام الخلافة الإسلامية، ونشرت يوم 29 يونيو الماضي، أشار المتحدث باسم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أبو محمد العدناني إلى مسألة خطيرة تخص بقية المجاميع الجهادية الناشطة في العالم بالقول:"بطلان شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطان الخليفة ويصلها جنده، فبعد هذا التمكين وقيام الخلافة بطلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم يؤمن بالله أن يبيت ولا يدين بالولاء للخليفة" كما توعد العدناني بقتال كل من لا يبايع الخليفة البغدادي داعيًا إلى "شق رأس كل من يحاول شق الصف".
فخطاب العدناني تهديد ضمني لقادة وزعماء الحركات والتنظيمات الجهادية الناشطة في المنطقة وقرار من داعش بالتفرد بالساحة الجهادية بعد صراع مع تنظيم القاعدة انتهى بالقطيعة الكلية ووصل حد الاقتتال في الداخل السوري، وذلك ما يجعل الأيام القادمة حبلى ببيانات الالتحاق بالخلافة من العديد من التنظيمات الجهادية الناشطة هنا وهناك وخاصة في شمال أفريقيا حيث لـــ"داعش" أنصار كثر، فالساحة الجهادية المغاربية أصبحت في الآونة الأخيرة تعيش حالة من التململ على وقع الصراع بين القاعدة وداعش الأمر الذي ألقى بضلاله على "ولاء العناصر الشبابية" الميال نحو داعش.
في هذا السياق لقي جهادي ليبي تابع لداعش عاد للتو من سوريا حتفه في درنة هذا الأسبوع في ثأر بين الجماعات الجهادية المتنافسة. وأصدرت كتيبة البتار الليبية التابعة للدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بيانا عبر مواقع التواصل الاجتماعي الاثنين 9 يونيو قالت فيه إن الرءوس ستقطع وتبقر البطون وستمتلئ ليبيا بالقبور ثأرا للمهدي سعد أبو الأبيض الغيثي. وقُتل الغيثي في اشتباك مع كتيبة شهداء أبو سليم، ما أجج الصراع بين الجماعات الجهادية.
كما أحدث إعلان الخلافة الإسلامية انشقاقا داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي فرع قاعدة الجهاد في الشمال الأفريقي، فقد نشرت "أفريقية للإعلام" إحدى الأذرع الإعلامية للتيار الجهادي في المغرب العربي بلاغا صادرا عن (ﻣﺠلس ﺷﻮﺭﻯ ﻣﻨطﻘﺔ ﺍﻟﻮﺳﻂ - التابع لتنظيم القاعدة يبايع فيه أبو بكر البغدادي خليفة للمسلمين ويدعو فيه بقية التنظيمات والجماعات الالتحاق بالدولة الإسلامية، وقد وقع البلاغ قيادات بارزة في التنظيم بينهم (ﺃﺑﻮ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥﺧﺎﻟد، ﺃﺑو ﻋﺒد ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﺃﺑو ﻣرﻳﻢ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ،ﺃﺑﻮ ﺃﻣﺎﻣﺔ ﻳﻌﻘﻮﺏ،ﺃﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺛﺎﺑﺖ، ﺃﺑﻮ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﻴﺎﺷﻲ، ﺃﺑﻮ ﺧﺎﻟﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻘﻤﺎﻥ، ﺣﺴﻦ ﺃﺑﻮ ﺃﻳﻤﻦ ﺍﻟﺒﺎﺗﻨﻲ ﺍﻷﻭﺭﺍﺳﻲ)
و يأتي هذا الإعلان كتخلي صريح من أحد مكونات تنظيم القاعدة عن بيعة الظواهري ونقلها إلى البغدادي وهو ما يؤشر على خطورة الإعلان على تماسك القاعدة تنظيميا ويفتح الباب واسعا نحو التحاق فروع أخرى للتنظيم بالدولة الإسلامية، خاصة تلك التي أخذت منحا شديد التطرف في الآونة الأخيرة، فتاريخيا تعود جذور قاعدة المغرب الإسلامي إلى الجماعة الإسلامية المسلحة والتي لا تقل دموية وتطرفا على داعش بل تكاد تكون نسخة طبق الأصل منها مع فارق الجغرافيا والتاريخ.
إلى ذلك، أعلن أبو عبد الله عثمان العاصمي - قاضي تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي منطقة الوسط في تسجيل صوتي نشره في وقت سابق نصرته لتنظيم الدولة الإسلامية مخالفا بذلك ضمنا أوامر وبيعة أميره أيمن الظواهري، زعيم قاعدة الجهاد، الذي صنف داعش كتنظيم خارجي متطرف.
كما جاءت خطوة انشقاق القيادي في تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، المطلوب للأجهزة الأمنية السعودية، أنس النشوان، لتؤكد احتمالات الانشقاق التنظيمي للقاعدة، فالنشوان أحد القادة الشرعيين الشباب للقاعدة أعلن بعد وصوله إلى سوريا مبايعته لداعش، ليشكل ذلك ضربة معنوية قوية تجاه تنظيم القاعدة وممثلها على الأرض السورية جبهة النصرة، إذ يتقاتل الفريقان على الأولويات في ما يخص الصراع مع النظام السوري أو حكم الأراضي المحررة وإقامة الدولة.
كما استطاعت داعش أن تفتح كوة في جدار خصمها اللدود في سوريا، فرع القاعدة المعروف بجبهة النصرة، فقد بايعت سرية تابعة لجبهة النصرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المنافس في بلدة حدودية سورية؛ مما سيعزِّز سيطرة الدولة الإسلامية على جانبي الحدود بين العراق وسوريا، وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وموقع يستخدمه إسلاميون على الإنترنت في 25 يونيو الماضي أنَّ مقاتلين من جبهة النصرة بايعوا الدولة الإسلامية في بلدة البوكمال قرب الحدود العراقية.
في هذا السياق يرى البروفيسور بيتر نيومان، الباحث في المركز الدولي لدراسة التطرف في كلية كنغ في لندن "إن إعلان داعش دولة الخلافة قد يكون نهاية تنظيم القاعدة، ويعتمد الأمر على الطريقة التي سيرد بها التنظيم على هذا التحدي، وما لم يهب للدفاع عن موقعه فإن هذا قد يكون إيذانا بنهاية رؤية بن لادن وتركته، فهذا الإعلان هو بمثابة إعلان حرب ليس على الغرب فحسب بل على تنظيم القاعدة أيضا".
الأيام القادمة
يرجح أن تلتحق عدد من التنظيمات والجماعات الجهادية بـــ"الخلافة الإسلامية الوليدة" في الأيام القادمة تفاعلا مع دعوة العدناني وخوفا من شق الصف الجهادي، خاصة في ظل ما تحققه داعش من الانتصارات كبيرة في العراق تغري الجميع بالالتحاق بها، كما حدث مع القاعدة في أعقاب هجمات نيروبي ودار السلام في العام 1998 حين ألهمت عددا من الجماعات المحلية بالانخراط في مشروعها بينها الجماعة الإسلامية المصرية وتنظيم الجهاد المصري والجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية.
ومن خلال المشهد الجهادي الراهن يرجح أن يلتحق عدد من قواعد وأفراد جبهة النصرة السورية بداعش، وهو ما حدث فعلا من مجموعات قليلة سابقا، مما سيؤدي إلى إضعاف "النصرة" كما يرجح أن تلتحق المجاميع الجهادية المحلية الصغيرة في المحافظات السورية وبعض الحركات الإسلامية في العراق أما على مستوى التنظيم أو الأفراد، كما يتوقع أن تعلن جماعة "أنصار بيت المقدس المصرية" الناشطة في سيناء مبايعتها لداعش في الأيام القادمة.
في المغربي العربي المشهد يبدو أوضح فزخم داعش كبير جدا بين أنصار التيار الجهادي وقادته خاصة وأن التنظيم يعتمد على المقاتلين التونسيين بشكل أساسي في سوريا وبنسبة أقل في العراق، فمن المرجح أن تبايع تنظيمات أنصار الشريعة في تونس وليبيا الدولة الإسلامية قريبا خاصة وأن أخبارا روجتها منابر جهادية تونسية عن إعلان سيف الدين الرايس الناطق الرسمي باسم "أنصار الشريعة بتونس" عن بيعته لدولة "داعش" وأميرها أبو بكر البغدادي، هذا إلى جانب عدد من السرايا والتنظيمات الليبية المحلية في درنة وبنغازي، كــ"شباب التوحيد" و"مجلس شورى شباب الإسلام" وغيرهما.
ومما يعزز هذا التوجه، ما تقوم به الأذرع الإعلامية للجماعات الجهادية المغاربية في الآونة الأخيرة من ترويج لداعش وعملياتها في العراق على شبكة الإنترنت، خاصة وأن التنظيم يعتمد في عناصره على أكثر 6000 مقاتل من دول المغرب العربي في سوريا والعراق.
أما في أفريقيا جنوب الصحراء، فيتوقع أن يعلن عدد من قادة الحركة الجهادية الموريتانية الالتحاق بداعش ومبايعة البغدادي خليفة للمسلمين، و يمكن أن تسري عدى المبايعة نحو بقية تنظيمات الجهاد في مالي وإقليم الازواد كحركة أنصار الدين وتنظيم التوحيد والجهاد،و يرجح مراقبون أن تعلن حركة شباب المجاهدين الصومالية موقفها النهائي من "الخليفة الجديد" في الأيام القليلة القادمة والآمر ذاته بالنسبة لجماعة بوكو حرام النيجرية، وإذا ما وقع ذلك فعلا فإن القارة الأفريقية بشمالها وصحرائها و"قرنها" الملتهب ستصبح الساحة الساخنة لنشاط الدولة الإسلامية في المستقبل.