رئيس التحرير
عصام كامل

الطاقة ليست وقودًا.. إنها قضية حياة أو موت


سيادة الرئيس:
هل تستمع إلى الأدوار الغنائية القديمة، عندما كانت المقدمات الموسيقية تطول إلى حد الزهق، إلا لمن يفهم ويعي كيف تكون المقدمات تمهيدًا للنتائج.. للأسف حكومة المهندس إبراهيم محلب ليس لديها خيال فهي تستمد من عصر مبارك أسوأ ما فيه.. بليل أسود حاكت قرار التحرير الجزئي للطاقة.. البنزين ولع.. السولار اشتعل.. الكهرباء أصبحت بأسعار الزمرد وكل ذلك تم بليلٍ دون دراسة.

للأسف ورغم أننا على اتفاق فيما يجب أن تذهب إليه أسعار الطاقة، إلا أن ذلك لا بد وأن يتم وفق قرار سياسي متعقل، واتخاذه بهذا الشكل يؤسفني أن أراه قرارًا عنتريًا يصب في صالح أعداء الوطن، إنهم يفخخون حب الناس لك ويفخخون الإرادة المصرية والدفقة الوطنية التي يشعر الناس بها في شوارع مصر وقراها.

ويؤسفني أن يقول المقاول إبراهيم محلب رئيس الحكومة إن التحرير الجزئي لن يؤثر على أسعار السلع الغذائية وهو نفس ما كان يقوله رجال مبارك.. قال ذلك والناس تتساءل: ألن يؤثر ذلك على أسعار النقل؟ ألن يؤثر ذلك على أسعار التجميد؟ ألن يؤثر ذلك على أسعار السولار المستخدم بشكل رئيسي في الزراعة؟ ألن يؤثر ذلك على شركات التعبئة والتغليف والصناعات الغذائية؟

إن ما قاله رئيس الحكومة كلام أقل ما يوصف به أنه كاذب، بل ومخادع وماكر ويتجاهل وعي الجماهير، ويكفي ما حدث وما يحدث وما سوف يحدث داخل سيارات الميكروباص، وفي التاكسيات، وفي الأسواق، وفي طوابير محطات الوقود.. الجماهير تغلي يا سيادة الرئيس لأن حكومتك لم توفر أي غطاء شرعي لهذا القرار والغطاء الشرعي يجب أن يستمد من وعي الناس.. هل قدمت للناس بصيص أمل في غدٍ مشرق حتى يتحملوا معك آلام المخاض وألم التجربة؟.. الإجابة بالطبع هي لا، لم تقدم شيئًا، ونحن نعلم قصر المدة ولكن الناس لا ترى بوادر أمل!!

سيادة الرئيس:
أنا عائد للتو من رحلة إلى ألمانيا وقد سألت كثيرًا من الألمان عن تجربتهم في إعادة البناء.. صحيح الأمر قد يكون مختلفًا، بسبب المحيط الذي كان مهيئًا في ألمانيا لإعادة البناء.. الأوربيون كانوا مُصرين على بنائها والأمر لدينا مختلف نوعًا ما.. وبعيدًا عن التفاصيل كان أهم ما قالوه إنهم أكلوا البطاطس والخبز لسبع سنوات عجاف، وعندما ظهرت بوادر الأمل تلوح في الأفق أدخلوا الزيت في طعامهم.. الفارق بيننا وبينهم أنهم جميعًا كانوا يأكلون نفس الطعام ويشربون نفس الشراب.. الحكومة والشعب.. الكل تحمل المعاناة وكانوا جميعًا يزرعون الأمل في المدن المحطمة وفي النفوس المشردة وفي الغابات التي أكلتها نيران الحرب، الكل كان على قلب أمل واحد، فهل تزرع الحكومة مع شعبنا؟ وهل تجوع الحكومة مثلما نجوع؟ أشك بالطبع في وجود إرادة الحاكم والحكومة وأخشى أن تتآكل تلك الإرادة في أوساط الناس.

سيادة الرئيس: 
هل تدارست أوضاع الناس الذين قلت عنهم إنهم لم يجدوا من يحنو عليهم؟.. هل هذه هي «الحنية»؟ هل أطلعوك على تداعيات القرار؟ ألم يقل لك أحد من معاونيك إنك بمثابة من يسجل أهدافًا خارج الوقت الأصلي للمباراة؟ هل أخبروك بهمسات الناس.. بأنّات الجماهير.. بآلام الأسر المعذبة، المحاصرة، المحطمة؟ هل قالوا لك إن الشعب قادر على تحمل مسئولياته شريطة المساواة.. شريطة أن يرى بصيص أمل "على مدد الشوف".

الناس في بلادنا يتغيرون، وما اتفقوا عليه اليوم قد يختلفون عليه غدًا، وحكم مصر ليس غاية، وإنما وسيلة لتحقيق غاية.. حكم مصر لم يعد «فانتازيا» وقصرًا وحرسًا وموسيقى.. حكم مصر أصبح مهمة قاسية لا يتحملها إلا الأقوياء الذين يؤمنون بهذا الوطن.. عفوًا لهذا التمهيد المتأخر، وإنما للضرورة رأينا طرحه للتذكِرة!!

إن طوابير الشحاتين والجوعى تتزايد يومًا بعد يوم، وطريق العمل لا يزال مسدودًا، ولا أمل في فتحه، أما الذين يستترون بإرادة العفة فإنهم يعانون اليوم وكل يوم في طريق الاستمرار وقرار البنزين لا يرتبط فقط بالسيارات بعد أن أصبحت الطاقة قضية حياة أو موت.. تدخل في صميم الحياة اليومية للجماهير، وأقل تأثير لها هو ما صوروه لك، وأخشى أن يكون ضمن فريق الحكومة من يعملون ضدك، وضد إرادة الناس!!
الجريدة الرسمية