رئيس التحرير
عصام كامل

ناصر والسادات والسيسي والمناورة السياسية!


في الساعات الأولى لثورة يوليو منح جمال عبد الناصر دورا مهما لـ "على ماهر" رئيس الوزراء ليسهل التفاوض مع الملك بدلا من تولي أطراف أخرى قد تصعب المهمة، وفي الأيام الأولى للثورة يتحصن عبد الناصر سريعا بالمصريين فكانت قرارات إلغاء الألقاب وقانون الإصلاح الزراعي وبداية قوانين التأمين الاجتماعي، وفي المناورة السياسية يعتبر البعض قرار عبد الناصر بحل الأحزاب منطقيا بعد المهلة التي منحها لتطهيرها ومرت دون شىء، ويعتبر البعض أن قرار حل الأحزاب واستثناء الإخوان من الحل من أبرز مظاهر الذكاء السياسي حيث أيد الإخوان قرار الحل وأيدته ودعموه بكل قوة ظنا منهم أنهم سينفردون بالساحة السياسية، لكن بعد أشهر من حل الأحزاب واستقرار المد لثورة يوليو تم حل الإخوان! فلم يكن سهلا أن يدخل عبد الناصر معركة مع الأحزاب والإخوان في توقيت واحد !

وفي بداية عهده استطاع السادات تصعيد أشرف مروان إلى العمل على كل الأصعدة ومنحه أدوارا كبيرة بينما يطيح هو برجال جمال عبد الناصر وفي هذه أيضًا يستبقي هيكل ليطيح به منفردا بعد أن تخلص من الباقين!

وفي عام ٧٧ تتسبب الزيادة المفاجئة في الأسعار إلى انفجار غضب الناس وكانت انتفاضة ١٨ و١٩ يناير التي تم الاستعانة بالجيش للسيطرة عليها واستعد السادات لترك مصر من أسوان، ومن وقتئذ تعلم النظام الدرس، فلم ترتفع جملة أسعار مرة واحدة قط، بل إن هناك سلعا يتم تقليص وزنها والإبقاء على سعرها مثلما حدث في رغيف الخبز وهو عينه ما تقوم به الآن شركات السمن ومساحيق الغسيل التي تقلص الوزن أو حجم العبوات مع الإبقاء على السعر  وهو التفاف يتقي غضب الناس ويقدم الزيادة في الأسعار بطريقة يمكن ابتلاعها، ويتم ابتلاعها بالفعل!

الآن، وكنا ننتظر الاستفادة من هذه الخبرات المصرية الكبيرة في فن المناورة السياسية وكيف يمكن أن تستند إلى جهة لمواجهة جهة أخرى وكيف يمكن أن تؤجل صراعا من أجل صراع آخر قد يكون أكثر أهمية وأولوية !

كنا نتوقع أن يمهل السيسي ومحلب الشعب المصري وقتا ليتذوق فرحة نجاح السيسي ووصوله إلى حيث يريد شعبه، فإن لم يكن فليمهلوه فترة يدعمه الناس فيها في مواجهة الإخوان، فإن لم يكن فعلي الأقل يستدعي الجماهير ليساندونه ويدعمونه في مواجهة الكبار الذين ستغضبهم قوانين الحد الأقصى ومنع الاحتكار وضرائب البورصة، فإن لم يكن فعلي الأقل يمنحهم الفرصة للاستمتاع بنتائج تطبيق القوانين السابقة، فإن لم يكن فعلي الأقل لينتظروا حتى انتهاء شهر فضيل يشهد سخونة في كل شىء من حرارة في الطقس وتظاهرات وقنابل للإخوان وانقطاعا في المياه والكهرباء، ولا نعرف من بجوار السيسي يفكر معه وينصح له ويتدبر معه الأمر وهو ما يجعلنا نخشي على الرجل الآن أكثر من أي وقت مضي !
يا سادة، جزء من نجاح أي قرار هو توقيته وإخراجه، والعكس صحيح تمامًا !
وللحديث بقية..
الجريدة الرسمية