التبرع لمن ؟
ليس لدىّ أي مشكلة في أن يفتح باب التبرعات من الشعب كله، وليس من رجال الأعمال وكبار رجال الدولة فقط.. لكن السؤال لمن التبرع ولماذا؟ الرئيس عبد الفتاح السيسي فتح الباب مشكورا، لكن لم يقل لنا لماذا ومن أجل ماذا.. كل ما نعرفه هو من أجل مصر.. وبعده على الفور صار الموضوع رئيسيًا في منابر الإعلام المرئي والمسموع.. وفُتح حساب جديد للتبرع.
أقول "جديد" لأن هناك أكثر من حساب فتح من قبل ولا نعرف ماذا حدث في الأموال التي وضعت فيها، وإن كنت أظن أنها لا تزال في الحساب. صار الموضوع حديث الإعلام بطريقة أكثر إثارة هذه المرة، فالذي بدأ الباب هو السيد الرئيس نفسه، تبرع بنصف راتبه ونصف ثروته المكتسبة والموروثة.. وفي تاريخ مصر الحديث، بالذات منذ عصر إسماعيل، كان هذا نمط من أنماط بناء وتحديث الأمة المصرية لكن الدولة لم تكن تدعو إليه.. كان الباشوات – رجال أعمال ذلك العصر - إقطاعيين أو رجال صناعة في القرن العشرين أو حتى من العائلة المالكة، يفعلون ذلك وحدهم دون دعوة من أحد، فيقيمون المدارس والمستشفيات والجامعات وغيرها ويسلمونها للدولة، لا يديرونها..
وكانت الجمعيات الدينية مثل جمعية العروة الوثقي، تبني المدارس وتقدمها لوزارة التعليم تديرها بمعرفتها كما يفعل كل من يشاء التبرع، بل أحيانا كان يفتح باب الرهان باللوتاري – الأوتارية – ويعرف المشتري أن ثمن الورقة سيدخل في بناء مستشفى. بل إن تمثال نهضة مصر الذي أقامه العظيم محمود مختار، فتح من أجل نحته وبناء قاعدته التبرع من الشعب.. كان المتبرع يفعل ما يريد بماله بنفسه وكان الشعب يري ما يتبرع من أجله يقوم أمامه..
اليوم، دعوة التبرع لايسبقها سبب واضح. هل هي من أجل سد عجز ميزانية الدولة؟ وفي هذه الحالة سوف تدخل الأموال الميزانية وتضيع مثل ما ضاع غيرها من قبل. العجز في الموازنة لا يحتاج تبرعًا من الشعب بل يحتاج إعادة النظر في مصروفات كثيرة لا معني لها للدولة. منذ عدة أشهر أعلن المستشار هشام جنينة أن مليارات ثمن الفساد في توزيع أراض ومكافآت وغيرها على جهات محددة نشرتها الصحف، ولم يتم التحقيق معهم ولا في المسألة.
جف حلقنا عن بيع أراضي الدولة التي لم يعوض سعرها حتى الآن. وجف حلقنا عن الصناديق الخاصة. وغير ذلك كثير. في النهاية قام السيد الرئيس بخطوة غير مسبوقة من قبل. كنت أتمني أن يسبق ذلك خطة معلنة عما تريده الدولة؛ مثلا من مدارس ومستشفيات وجامعات ومساكن للفقراء وتحديث لقري بعينها وعشوائيات بالاسم، وتحدد أماكنها. ويطلب ممن يشاء التبرع أن يختار إذا كان قادرًا أن يفعل ذلك بنفسه أو مع غيره في إطار عمل جماعي تحت إشرافهم أنفسهم، ولا شأن للدولة به.
هذا هو الشكل المقبول للتبرع، إما أن يتم التبرع دون أن يعرف أحد لماذا ومن أجل ماذا، فسيكون الأمر ضجة يتراجع عنها الكثيرون إن لم يكن الجميع، وإذا كان التبرع من أجل سد عجز الموازنة فسيتراجع الجميع بشكل أسرع.
ibrahimabdelmeguid@hotmail.com